ما بين تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي هدد فيها تركيا بتدمير اقتصادها إذا هاجمت الأكراد في سوريا، والاتصال الهاتفي اللاحق من نظيره التركي رجب طيب أردوغان، مجرد ساعات لكنها كانت كافية لاستيعاب أنقرة لسياسة العصا والجزرة التي وضعتها واشنطن في التعامل مع الحليف المتمرد.

 

ففي الوقت الذي تواصل تركيا نشر قواتها في المناطق الحدودية مع سوريا استعدادا لشن عمل عسكري ضد المسلحين الأكراد الذين ساعدوا واشنطن في القضاء على تنظيم داعش، لم تنجح مهمة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في إقناع الأتراك بوقف خططهم لغزو المناطق الكردية في الشمال السوري.

 

ولتوجيه رسالة قوية إلى واشنطن، رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقابلة بولتون الذي لم يأخذ من وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو ما يفيد بأن الحليف التركي سيلتزم بالخطوط الأميركية الحمراء في سوريا وضمان عدم مهاحمة الأكراد.

 

لكن يبدو أن ترامب يعرف جيدا كيف يتعامل مع الممارسات المتمردة من جانب حليفه، فقد نجح عبر فرض عقوبات اقتصادية قبل عدة أشهر في إجبار أنقرة على إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون برغم صدور حكم قضائي بحقه.

 

درس برانسون

وكانت العقوبات المتمثلة في زيادة الرسوم الجمركية على الواردات التركية، وإدراج وزيري العدل والمالية على قائمة حظر السفر الأميركية، قد هوت بالعملة التركية غير المستقرة إلى مستويات غير مسبوقة.

 

وأدى تعنت الرئيس التركي في هذه الأزمة إلى مزيد من الخسائر، قبل أن يذعن للضغوط الاقتصادية ويقرر إطلاق سراح القس الأميركي.

 

وتمثل العملية العسكرية التي حضرت لها أنقرة لضرب الجماعات الكردية التي انضوت تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، بؤرة توتر جديدة في العلاقات بين الحليفين.

 

وعدلت واشنطن عن قرارها بالانسحاب السريع من سوريا إلى انسحاب تدريجي، بعدما وصلت لقناعة أن الأتراك لن يحلوا محلها في مكافحة تنظيم داعش، بل لينفذوا أجندة قومية تتعلق بضرب قدرات الأكراد في الشمال السوري.

 

العصا.. خيار ترامب الأخير

ويوم الأحد، هدد ترامب تركيا في تغريدة قائلا إنه "سيدمر اقتصادها إذا هاجمت الأكراد"، ففتح بذلك الجرح التركي الذي مازال ينزف في العديد من القطاعات الاقتصادية.

 

وأضاف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تفسيرا لكلمات ترامب القاسية، عندما قال إن تغريدة الرئيس كانت تشير إلى عقوبات يمكن فرضها على أنقرة في حال تحركت عسكريا ضد الأكراد.

 

اقتصاد هش

وتأتي التهديدات الأميركية في وقت لا يمكن للاقتصاد التركي تحمل ضربة جديدة، حسبما تشير الأرقام. فلم يتحمل سوق صرف العملة المحلية تغريدة الرئيس الاميركي، فانخفضت الليرة التي خسرت نحو 30 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في العام الماضي، إلى 5.53 مقابل العملة الأميركية يوم الاثنين.

 

وأعلنت وزارة المالية يوم الثلاثاء أن ميزانية 2018 أظهرت عجزا قدره 13.35 مليار دولار، فيما أظهرت بيانات من معهد الإحصاءات التركي أن معدل البطالة في تركيا بلغ 11.6 في المئة في الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر، ارتفاعا من 11.4 بالمئة بين أغسطس وأكتوبر.

 

وهذه الأرقام لن تكون في صالح حزب العدالة والتنمية عندما يخوض الانتخابات المحلية المقبلة في مارس. فبحسب مركز إسنطبول للاستطلاعات والأبحاث، اعتبر 56 في المئة من الناخبين الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بشهر يونيو، أن الاقتصاد يمر بحالة سيئة، بينما ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 84 في المئة بين مؤيدي حزب الحركة القومية اليميني المتحالف مع أردوغان والمؤيد لشن عملية عسكرية ضد الأكراد.

 

الجزرة الأميركية

وبناء على هذه المعطيات، نجحت التغريدة فيما لم ينجح فيه بولتون، وأسفرت عن اتصال هاتفي من أردوغان لترامب، كشف محتواها عن استجابة الأول للتهديدات وأيضا للخطة الموجزة التي طرحها ترامب عبر تويتر، بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري بعمق 30 كيلومترا.

 

ولوح ترامب بالجزرة "الاقتصادية" في تغريدة جديدة، بعدما رفع العصا في التغريدة التي سبقتها، قائلا إنه تحدث مع نظيره التركي ليجري تقييما بشأن كافة المواضيع في سوريا، ومن بينها تقدم المعركة ضد داعش، والمنطقة العازلة، وكذلك تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، والإمكانات الكبيرة لتوسيعه.

 

وبعد أن كان الخطاب التركي يتمثل في دفن الأكراد في مناطقهم، تحدث الرئيس أردوغان يوم الثلاثاء عن دفن داعش ووحدات حماية الشعب الكردية في حال "اقتحموا الحدود"، مشيرا إلى أن المنطقة العازلة ستقوم تركيا بفرضها وفق الاتفاق مع الأميركيين.

 

وكالات

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية