روايات من أحداث انتفاضة 2 ديسمبر.. الحلقة الأولى
تفاصيل كلها متدثرة بالحزن والآهات يرويها المساعد في اللواء 61 صواريخ فضل محمد شعيب والبالغ من العمر قرابة 38 سنة، والذي عاش مع اندلاع انتفاضة 2 ديسمبر المباركة التي قادها الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام في مطلع ديسمبر 2017م..
قصص مأساوية عن الخيانات وعن فبركات قيادات ظلت تزعم أنها مطلوبة للحوثة، وعن خديعة اعتقاله وزملائه غدراً داخل معسكر 48 بعد مهاجمة ميليشيات الحوثي الكهنوتية منزل الزعيم علي عبدالله صالح واستشهاده ومعه الأستاذ عارف عوض الزوكا رحمة الله تغشاهما.
يقول فضل شعيب من منتسبي الحرس الجمهوري: عند اندلاع انتفاضة الثاني من ديسمبر عام 2017م، كنت أعمل مساعداً في إحدى النقاط العسكرية في منطقة دار سلم بالعاصمة صنعاء، وأثناء تفجر المواجهات المسلحة، قمنا بنزع الأسلحة من أفراد عصابة الحوثي، وعلى الفور تم توريدها إلى معسكر السواد باعتباره معسكرا تابعا للدولة.
للأسف في مساء نفس اليوم تقريبا السبت أو الأحد حدثت متغيرات في مسار المواجهات المسلحة وحدثت أشياء كثيرة وبصورة لم نعرف تفاصيلها وحقيقة أسبابها، ومنها حدثت انسحابات جماعية أو خيانة، ونتيجة لذلك الموقف دخل المجرمون من عصابة الحوثي المعسكرات بما فيها معسكر السواد، واستولوا على الأسلحة التي وردناها ووزعوها على أتباعهم، تلى ذلك قيام ضباط كبار بإبلاغنا نحن المرابطين في النقاط العسكرية بالبقاء في أماكننا في تلك النقاط، وأفادونا أنه تجري مفاوضات بين الطرفين، وقد اصطلح الجميع.. والأمور تسير على ما يرام.
لكن تلك الكذبة انكشفت مع بداية انتشار خبر استشهاد الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام والأمين العام للمؤتمر الأستاذ عارف عوض الزوكا في يوم الاثنين 4 ديسمبر، كان خبرا صادما.
وعلى إثر ذلك تلقينا اتصالا من ضباط كبار من نفس اللواء 61 أعطونا توجيهات أن نظل نرابط في أماكننا، فرفض البعض العمل بتلك التوجيهات وانسحب تقريبا أكثر من نصف العدد، وعادوا إلى منازلهم تاركين الخدمة في تلك النقاط، وبعد فترة قصيرة قام ضباط معروفون في الحرس باستدعاء من تبقوا في تلك النقاط إلى المعسكر وكنت من ضمنهم.
ويواصل المساعد شعيب سرد المأساة قائلا: عند دخولنا معسكر السواد فوجئنا بوجود عشرات المسلحين من عصابة الإجرام الحوثية منتشرين حولنا وموجهين فوهات أسلحتهم علينا.. كنا مطوقين من كل اتجاه، ولم يكن بمقدورنا أن نقاوم، ثم اقتادونا إلى السجن داخل معسكر 48 والذي كان معرضا لقصف الطيران ولكن سلم الله.. حيث تم تكديسنا جميعا داخل سجن ضيق قذر أرضيته مليئة بالأوساخ، وتنتشر فيه كل الزواحف خلافا لانتشار الكتن والقمل بشكل فظيع.
في داخل السجن تعرضنا نحن المعتقلين لقتل من نوع آخر، أقولها بصراحة، وهذا وصف أطلقه أحد السجناء ممن كانوا مع عصابة الحوثي، ولكنه خلال تلك الأحداث رفض أن يقاتل معهم ولا داعي لذكر اسمه، فقد قاموا بحبسه معنا، وقد قال لنا بحزن: اصبروا أنتم الآن تواجهون قتلا من نوع أخر.. قتل بواسطة الجوع.. والبرد.. والتعذيب.. وسوء التغذية.. والحرمان من الرعاية الصحية.
المهم استمرينا في السجن خمسة وثلاثين يوما وشعرنا فعلا بأننا أصبحنا نواجه الموت.. ضرب.. تعذيب.. وازداد وضعنا سوءاً بعد أن أفادنا أحد السجناء بأنه إذا استمر حبسنا وبقينا على هذا الوضع لمدة شهرين، فالموت سيبدأ ينهش أجسادنا واحدا تلو الآخر مع بداية دخول الشهر الثالث، إن لم تكن هناك حلول.
كان كل من يرفض القتال مع الحوثيين أو ينسحب من الجبهات يتهم على الفور بالمرتد عن دين الله، ويقومون بتكبيله بقيود حديدية قصيرة وأمثال هؤلاء كثر، وكان كل من يريد منهم الذهاب إلى الحمام فلابد أن يجر معه الشخص المقيد معه في القيد نفسه.
ويستطرد شعيب سرد روايته قائلا: أتذكر أنني كنت أقف ذات يوم بقرب بوابة السجن، وشاهدت من فتحة صغيرة في الباب ثقبتها رصاصة أو شظية، شاهدت أحد الضباط الكبار الذين زعم الحوثة أنه مطلوب أمنياً لهم يومها، وهو يصلي على قتلى عصابة الحوثة في الحوش الواقع بين مستشفى 48 وسور المعسكر.. ذهلت مما رأيت وشعرت بفظاعة المؤامرة التي يتعرض لها الوطن والشعب من ورائه باستهداف قيادة المؤتمر الشعبي العام.
وعن عمليات التعذيب يقول شعيب: كانت عصابة الحوثي تقف معنا من وقت لآخر في أماكن خارج السجن، وأثناء أخذنا للتحقيق كنت ألحظ وجود أعداد من الضباط الكبار والصغار والأفراد يملؤون الغرف في جامعة 48 وفي البدروم ويتكدسون فوق بعضهم البعض.. مأساة حقيقية!!
أدركت أن عصابة الحوثي قد قامت بعملية اعتقالات واسعة، إضافة إلى أنهم استدعوا الناس من المنازل لأداء واجب الخدمة في المستشفى ومساعدة المرضى، وسرعان ما تحولوا إلى معتقلين.
وفي أحد الأيام أثناء التحقيق معي من قبل عصابة الحوثة كنت أسمع صوت قائد لواء في الحرس الجمهوري يزمجر بصوت مرتفع من غرفة تحقيق قريبة مني، وكان يصرخ بصوت مرتفع أثناء التحقيق معه، ويقول "أيش منتظرين يا مجرمين اقطعوا راسي هيا.." وظل يكررها مرات، وكلما هددوه بالقتل يرد عليهم (هيا اقطعوا رقبتي...). وهذه شهادة أقولها للتاريخ، فهذا ما كان يقوله قائد لواء في الحرس الجمهوري.
وأطلق شعيب تأوهات حزينة لتفاصيل مؤلمة وقال: المهم وبعد مرور 35 يوما في المعتقل تم الإفراج عن بعضنا نتيجة ضغوط قبلية وكنت من بين المفرج عنهم، فاتجهت إلى منزلي في إب بعد أن تعاهدت أنا وزملائي المفرج عنهم أن نمضي قدماً في محاربة عصابة الحوثة.
ومرت أيام وإذا بنا نسمع أن القائد طارق محمد عبدالله صالح ما يزال حياً يرزق، فعادت لنا الحياة خاصة وأنه قد استدعى منتسبي الجيش والأمن للانضمام معه لقتال أعداء اليمن.
أقولها صراحة: يومها كرهت أموالنا وبيوتنا وكل ما حولي وتحركت فوراً تلبية لنداء الوطن والقائد، واتجهنا نحو مدينة عدن، وبالرغم من الصعوبات والعراقيل ومخاطر السفر إلا أننا قهرنا كل التحديات، وقررنا أن نقدم ارواحنا فداء لشعبنا وتحرير بلادنا من عصابة الحوثة الكهنوتية.
وفي عدن بدأنا نجمع صفوفنا ونستعد لشق الطريق لبناء مستقبل آمن لأجيال اليمن، ومن أجل أن يعيش الجميع حياة عزيزة وكريمة، وقد انطلق موكب حراس الجمهورية في الساحل الغربي بنجاح، وهاهم الأبطال يشقون طريق التحرر بانتصارات متواصلة على عصابة الحوثي الكهنوتية.