في قلب صنعاء وسائر المناطق الخاضعة لسيطرة السلالة الحوثية، لا يكمن الخطر في الصواريخ ونقاط التفتيش وحدها؛ بل في معركة صامتة أخطر وأكثر عمقاً، تستهدف عقول الأجيال اليمنية ومستقبلهم. فالمشروع الحوثي اليوم لا يسعى فقط للهيمنة على الأرض، بل يتجه بخطى محسوبة نحو تفريغ الهوية الوطنية وإعادة تشكيل وعي الشباب بما يخدم مشروعاً أيديولوجياً ضيقاً، غايته خلق جيلٍ لا ينتمي لليمن وإنما للسلالة والولاء الطائفي.

تستخدم هذه الجماعة المارقة أدوات متعددة ومتوازية، تجمع بين التعليم والدين والاقتصاد، لخلق حالة من "الهندسة الفكرية" تستهدف الجيل الصاعد حينما بدأت معركتها مبكرا من المدارس والجامعات، حيث جرى تشويه المناهج الوطنية وإقصاء التاريخ اليمني الجامع وقيم الجمهورية، واستبدالها بسرديات مذهبية تمجّد السلالة وتربط مستقبل اليمن بقيادة فرد وفكر واحد.
في هذه البيئة، يصبح الطالب مجرد متلقٍ لدعاية مؤدلجة، يتم تربيته على الطاعة والانتماء للجماعة وليس للوطن.

لا يقتصر الأمر على التعليم الرسمي؛ إذ تُساق أعداد كبيرة من الشباب إلى دورات ثقافية تُفرض عليهم بالقوة أو بالترغيب. هذه الدورات بمثابة مختبر لغسل العقول وإعادة تشكيل الهوية، وإنتاج شباب يتم تلقينهم بأن خلاصهم وكرامتهم لا تتحقق إلا بالولاء للحوثي ومشروعه.

وسط ضيق اقتصادي خانق وانعدام فرص العمل، يتم التصيد للشباب العاطلين وإغراؤهم بالمال والوظائف والسلطة. يتحول الشاب الباحث عن فرصة حياة إلى أداة حرب، لا يبني بل يهدم، ولا يشارك في المستقبل بل يُستهلك كوقودٍ لمعارك لا تنتهي.
حيث يسعى المشروع الحوثي الهدام لتحويل اليمن من وطنٍ كبير متنوع ومتصالح مع تاريخه إلى جغرافيا محكومة بهوية مذهبية ضيقة، تُقصي كل من لا ينتمي إليها فكراً ونسباً وموقفاً عبر ضخ خطاب عدائي بواسطة المنابر الدينية والإعلامية والبرامج التعبوية لتحويل المجتمع إلى جزر متصارعة. كما تُصنَّف فئات من الشعب كخصوم أو خونة لمجرد الاختلاف أو الانتماء المناطقي أو الفكري، في محاولة لاجتثاث روح التعايش اليمنية التي امتدت لقرون.

ختاماً.. إن أخطر ما يقوم به العدو الحوثي اليوم ليس فقط تدمير البنى التحتية أو استنزاف مقدرات الدولة، بل يسعى لتدمير الإنسان اليمني ووعيه وانتمائه. إنهم يسعون لقتل الهوية قبل الجسد، ولخنق الذاكرة الوطنية وتحويل اليمن إلى ساحة دائمة للاقتتال الطائفي والاستبداد الفكري. وبالتالي، فإن حماية الشباب ومعركة الوعي باتت خط الدفاع الأول لإنقاذ اليمن. فاستعادة العقول، وتحصين الهوية الوطنية، وإعادة تشكيل ثقافة الانتماء الجمهوري، ليست مهمة ثقافية فحسب بل هي معركة وجود ومستقبل....

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية