ربما لا يرى كثيرون من اليمن، خاصة غير اليمنيين، إلا تلك المظاهرات التي تحشدها مليشيا الحوثي الإرهابية بالقوة في صنعاء، للتمويه على ما هو واقعي في حياة اليمنيين الذين يكابدون ويلات المشقة مع الفقر والجوع والمرض وتحديات الحياة اليومية التي لا حصر لها.

وكالة رويترز، نقلت على لسان مئات اليمنيين صورة للواقع المزري تحت سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، بخلاف تلك الصور التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي لتغطي على مآسي اليمنيين التي لا يراها إلا القليل، ولا يحس بها أحدٌ سواهم.

تقول "رويترز" إنها أجرت مقابلات مع مئات اليمنيين الفارين من مناطق سيطرة المليشيا أكدوا أنها "تدفع الناس إلى حافة الجوع، وتستغل المساعدات الغذائية الدولية لإكراه الآباء على تسليم أطفالهم للقتال في صفوفها".
عبدالسلام، وهو مزارع في السابعة والثلاثين من عمره يعيش في مخيم للنازحين بعد فراره من مناطق سيطرة الحوثيين أشار الى أن "الناس بين المر والأمر منه.. يخيروك إما تكون معنا وتأخد سلة (طعام) تسد الجوع أو لا، ويكون الخيار صعب".

وإلى جانب المقابلات مع اليمنيين والعشرات من موظفي الإغاثة عملت "رويترز" على مراجعة وثائق داخلية لوكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، وخلصت إلى أن وكلاء إيران "يفرضون طيفًا واسعًا من الضرائب على سكان فقراء، ويتلاعبون بنظام المساعدات الدولية، ويسجنون المئات".

ويصف أبو حمزة، وهو مواطن آخر فر من مناطق سيطرة الحوثيين إن الحياة هناك عبارة عن "عيش مغص مفيش نقدر نعيش"، وقد أمضى عامًا في زنازين سجن تحت الأرض بسبب تحدثه علنًا ضد الحوثيين خلال جلسات القات. مضيفًا "إحنا محكومين بمليشيا تحكم بالدين".

وأكد عشرات من النازحين الذين تحدثت إليهم رويترز أن الحوثيين ينفذون حملات تعبئة أيديولوجية مكثفة، إذ يجُبر موظفو الدولة، بحسب قولهم، على حضور جلسات أسبوعية تبُث فيها محاضرات لعبدالملك الحوثي، زعيم المليشيا الإرهابية.

ومن بين هؤلاء، عبدالملك، وهو معلم غادر مناطق سيطرة المليشيا في يناير 2024 بعدما أوقفه مشرف مدرسة حوثي عن العمل لرفضه حضور جلسات التعبئة رغم عدم إعطائه أي مرتبات في وقت تطالبه المليشيا بدفع تبرعات لغزة "بشكل أسبوعي".

تبدو قصة فواز، وهو أب لثمانية أطفال، أكثر مأساوية، فقد كانت المساعدات الدولية بالنسبة له شريان حياة بعدما كان يعمل محاسبًا قبل الحرب، ثم اضطر لبيع مصاغ زوجته لإطعام الأسرة.

يقول إنه حاول تسجيل اسمه في قائمة متلقي المساعدات في محافظة حجة حيث يسيطر عليها الحوثيون، إلا أن المليشيا وضعته أمام خيارين إذا أراد سلة غذائية، فعليه "الانضمام إلى مليشياتهم، والمشاركة في المسيرات الأسبوعية والهتاف "الموت لأمريكا"، وعندما رفض، وصفه مشرف حوثي بأنه "عدو" وقرر أنه "غير مستحق" للحصول على المساعدات، على حد قول فواز.

فقد فواز ساقه بعد فراره من الحوثيين ومحاولته العبور إلى السعودية بحثًا عن عمل. وقال إن ساقه تمزقت عندما انفجر لغم أرضي أثناء تحركه عبر حقل ألغام بالقرب من الحدود السعودية.

وفقًا لرويترز، فإن المساعدات في كثير من الأحيان "لا تصل إلى مستحقيها.. سيطر الحوثيون فعليًا على سلسلة إمداد المساعدات الإنسانية، وقوائم المساعدات تتضمن أسماء عدد كبير من الأشخاص الذين ليس لهم وجود أو "المستفيدين الأشباح"، وغالبًا ما يكون أولئك الذين يتلقون المساعدات من الموالين للحوثيين مثل المقاتلين.

وقال أحد موظفي الإغاثة لرويترز؛ إنه من بين نحو تسعة ملايين شخص مسجلين لتلقي المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون "لم نكن نعرف خمسة ملايين منهم". وقد دفع هذا التقويض لعملية المساعدات برنامج الأغذية العالمي إلى تجميد توزيع السلال الغذائية في عام 2023 في المناطق التي يديرها الحوثيون.

كما مارس الحوثيون السيطرة على جمع بيانات الأمن الغذائي، والتي تشكل الأساس لتقييمات الجوع التي يجريها التصنيف المرحلي المتكامل. وتساعد هذه التقديرات البلدان المانحة على تحديد كيفية توزيع التمويل.

وعندما جمعت وكالات الأمم المتحدة بيانات لمسح التصنيف المرحلي المتكامل في عام 2023، اختار الحوثيون بأنفسهم العديد من جامعي البيانات وفقًا لثلاثة محللين للأمن الغذائي شاركوا في العملية. وذكروا أيضًا أن الحوثيين حددوا الأسر التي سيشملها المسح.

مكن ذلك الحوثيين من تضخيم مشكلة الجوع، وبالغوا في ذلك، في محاولة لجذب المزيد من التمويل الإنساني. ما دفع الأمم المتحدة الى اعتماد جمع البيانات عن بُعد من خلال المكالمات الهاتفية مع متلقي المساعدات لتقييم مستويات الجوع.

وحينما تواجه الأمم المتحدة قيودًا أو تحديات، تلجأ أحيانًا إلى متعاقدين خارجيين لتولي مهام مراقبة توزيع المساعدات وجمع البيانات عن المستفيدين من أجل استهداف الفئات الأشد احتياجًا بشكل أفضل. وفي اليمن، كانت مهمة هؤلاء المراقبين هي الإشراف على مراكز توزيع المساعدات، وإجراء مقابلات مع المستفيدين، وتقديم تقارير إلى وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة بشأن أي انتهاكات يتم رصدها.

لكن الحوثيين أغلقوا فعليًا عددًا من هذه الجهات الرقابية؛ إذ داهموا مكاتبها واحتجزوا موظفيها. وقال 12 موظفًا في شركات مراقبة تعاقدت معها الأمم المتحدة لرويترز؛ إنهم يخشون أداء مهامهم خوفًا من انتقام المليشيا.

واقتيد عدنان الحرازي، الرئيس التنفيذي لشركة برودجي سيستمز، إحدى شركات المراقبة الرئيسية، من مكتبه في يناير 2023، ووضع في الحبس الانفرادي واتُهم بالتجسس لصالح دولة أجنبية. وفي يونيو 2024، حُكم عليه بالإعدام. وتم تخفيف عقوبته لاحقًا إلى السجن 15 عامًا.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية