في خطوة تعكس توجهًا واضحًا نحو تنويع أدوات التمويل وإدارة العجز، أعلن البنك المركزي عن طرح مزاد جديد لسندات الخزينة طويلة الأجل، بأجل ثلاث سنوات وبقيمة مبدئية قدرها عشرة مليارات ريال يمني قابلة للزيادة عند الحاجة، وبعائد سنوي ثابت يبلغ 20% يُصرف كل ستة أشهر.

ومن المقرر أن يُعقد المزاد يوم الأربعاء المقبل الموافق 10 سبتمبر 2025م، عبر منصة Refinitiv الإلكترونية والبريد المخصص للإدارة العامة للدين العام والاقتراض الحكومي.

هذه الخطوة، وفق خبراء اقتصاديين، تمثل تحوّلًا في سياسة إدارة الدين المحلي؛ إذ اعتاد البنك المركزي- خلال السنوات الماضية- على الاعتماد بشكل أكبر على أدوات الدين قصير الأجل مثل أذون الخزانة، بينما يشكل الاتجاه نحو السندات طويلة الأجل محاولة لخلق استقرار أكبر في المالية العامة، وتوزيع أعباء الدين على فترة زمنية ممتدة، بما يقلل من الضغوط المباشرة على السيولة الحكومية.

الخبير الاقتصادي حسام ناشر، أوضح أن "طرح البنك المركزي لسندات الخزينة طويلة الأجل يمثل خطوة مهمة في هذه المرحلة الحساسة، إذ سيساعد بشكل مباشر في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، ويمكّن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها الضرورية وعلى رأسها صرف المرتبات وتغطية النفقات الأساسية".

وفي تصريح لوكالة "2 ديسمبر"، أضاف ناشر أن "هذه الخطوة تعزز الثقة بالسياسات الاقتصادية والمالية، كما أنها توفر للقطاع المصرفي أداة استثمارية آمنة بعوائد مجزية، وهو ما يسهم في تحريك النشاط المصرفي وإعادة توجيه السيولة من التداول غير المنضبط إلى استثمارات طويلة الأجل".

من زاوية أخرى، يُنظر إلى هذا المزاد كجزء من استراتيجية البنك المركزي لإدارة السيولة المحلية، فالاكتتاب في السندات يسحب جزءًا من الكتلة النقدية المتداولة، ما يخفف من الضغوط التضخمية ويمنح العملة المحلية فرصة للاستقرار.

ويرى ناشر أن "التناغم والتنسيق بين السياسة المالية للحكومة والسياسة النقدية للبنك المركزي يمكن أن يقود الأوضاع الاقتصادية نحو الاستقرار، ويساعد على تثبيت سعر صرف العملة المحلية وتحسينه تدريجيًا، إلى جانب الدفع بعجلة الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لتعزيز النمو واستعادة التوازن المالي".

العودة إلى أدوات الدين العام ليست تجربة جديدة على الاقتصاد اليمني، فقد أثبتت أذون الخزانة في فترات سابقة قدرتها على امتصاص السيولة الفائضة وإعطاء البنك المركزي مساحة للتحرك في سوق الصرف.

غير أن اللجوء إلى السندات طويلة الأجل يعكس هذه المرة توجهًا أعمق نحو بناء سوق دين محلية أكثر استدامة؛ إذ تمنح الحكومة فرصة لتوزيع المخاطر المالية وتجنب الاعتماد المفرط على الإصدار النقدي المباشر، الذي غالبًا ما يؤدي إلى ضغوط تضخمية وتدهور في قيمة العملة.

ويرى اقتصاديون أن نجاح هذا المزاد سيؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الدولة والقطاع المصرفي، عبر تعبئة المدخرات والفوائض المالية بشكل منظم، ما يعزز من قدرة الحكومة على تمويل إنفاقها الضروري دون المساس باستقرار الاقتصاد الكلي.

كما أن هذه الخطوة تضع اللبنات الأولى لسوق مالية يمنية أكثر تطورًا، يمكن أن تصبح لاحقًا إحدى ركائز الإصلاح الاقتصادي وإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي والمؤسسات المالية الرسمية.

في المحصلة، يمثل مزاد سندات الخزينة طويلة الأجل اختبارًا مزدوجًا: من جهة لمدى قدرة الحكومة على الالتزام بخططها في إدارة الدين العام، ومن جهة أخرى لمدى استعداد القطاع المصرفي والمستثمرين المحليين للمشاركة بفعالية في تمويل احتياجات الدولة.

نجاح هذه التجربة سيعني فتح نافذة جديدة لتمويل الموازنة العامة بطريقة أكثر كفاءة، ويمثل خطوة إضافية نحو استعادة التوازن والاستقرار الاقتصادي في بلد يواجه واحدة من أعقد الأزمات المالية في تاريخه جراء حرب مليشيا الحوثي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية