تقرير| البحر الأحمر.. سلاح إيران المهم
أكدت شحنة الأسلحة الإيرانية الأخيرة، التي بلغت حمولتها أكثر من 750 طناً والتي ضبطتها المقاومة الوطنية، تصاعداً واضحاً في تصميم طهران على إبقاء أحد أهم المضائق البحرية في الشرق الأوسط، تحت مدى بندقيتها.
منذ سفينة "جيهان 1" والقوارب المحمّلة بالسلاح عام 2013، وحتى الشحنة الأخيرة، تُظهر طبيعة الشحنات الإيرانية للحوثيين تطوراً لافتاً في الأهداف. فبعد أن كان التهريب الإيراني موجهاً نحو تمكين المليشيا من السيطرة على اليمن، أصبح اليوم يتجه نحو الإعداد لصراع إقليمي أوسع، وتحويل باب المندب إلى فَك ثانٍ لمضيق هرمز، بما يعزز من أوراق الضغط الإيرانية ويُطوّق الأمن القومي العربي، ويمنح طهران وزناً إضافياً في بورصة السياسة الدولية.
الشحنات السابقة التي كانت تقتصر على صواريخ مضادة للطائرات والدبابات وبنادق قنص وطائرات مسيرة خلال الأعوام الأولى من الحرب، يمكن تبريرها بمتطلبات الميدان ودعم المليشيا في مواجهة قوات الشرعية والتحالف. لكن استمرار تدفق هذه النوعية من الأسلحة، رغم غياب أي مواجهة بحرية فاعلة في الحرب اليمنية، يؤكد أن الغاية تتجاوز حدود اليمن، وترتبط بأجندة إيرانية إقليمية أوسع.
لقد بدأت طهران بناء القدرات البحرية للحوثيين قبل 7 أكتوبر 2023 بخمس سنوات، لكنها ظلت معطّلة إلى أن أتاحت أحداث غزة الذريعة لتحريكها، دون أن يكون لذلك أي تأثير حقيقي على معادلة الصراع مع إسرائيل. وهو ما يعكس حقيقة أن إيران تستخدم ورقة البحر الأحمر لخدمة مصالحها الخاصة، لا لنصرة الفلسطينيين.
ومع خسارة إيران لأذرعها في سوريا ولبنان، وتعرضها لضربات عسكرية مباشرة، برز البحر الأحمر كمجال استراتيجي بديل في إطار إعادة ترتيب أولويات طهران العسكرية والسياسية.
في السياق ذاته، فإن الأمن القومي العربي في هذه المرحلة يرتكز على الضلعين المصري والخليجي. أما البحر الأحمر، فرغم أنه خيار ثانوي لدول الخليج، إلا أنه شريان تجاري أساسي لمصر عبر مضيق باب المندب الذي يشكل مدخلاً حيوياً لقناة السويس، أحد أهم مصادر الدخل المصري.
من هنا، فإن إضافة مضيق باب المندب إلى مضيق هرمز في الحسابات الإيرانية يُمكّن طهران من تهديد الأمن العربي، والضغط على التجارة العالمية، عبر أداة موالية لها تعمل بالوكالة.
في ظل حالة اللا حرب واللا سلم التي تقيّد استخدام إيران المباشر لورقة هرمز، خشية التداعيات مع حلفائها كالصين وروسيا، يُصبح جنوب البحر الأحمر البديل الرابح، حيث توجد مليشيا مستعدة لتنفيذ الأجندة الإيرانية والإعلان عن مسؤوليتها دون تحميل طهران أي تبعات مباشرة.
لقد أصبح مضيق باب المندب مطمعاً إيرانياً واضحاً منذ العام 2018 على الأقل، إلا أن تزايد نوعية وكميات شحنات السلاح، وآخرها شحنة الأيام الماضية، يؤكد أن البحر الأحمر بات خياراً استراتيجياً وملاذاً مصيرياً لنظام الملالي، يمنحه قدرة على المناورة، ويُبقي مشروعه التوسعي على قيد الحياة.