يخطئ من يظن أن السفن أو طواقم الملاحة التجارية هي المستهدفة بهجمات الحوثيين، بل مصالح العالم وأمن الملاحة بأسره. هكذا يتحول البحر الأحمر إلى ساحة نار إيرانية مفتوحة، ترسل عبرها طهران رسائل تهديد تتجاوز الإقليم إلى العالم أجمع؛ فالشحنة العسكرية الإيرانية الأخيرة، التي اعترضتها المقاومة الوطنية، تكشف مستوى الإصرار الإيراني على التمترس داخل الجغرافيا اليمنية، وتُعيد تعريف طبيعة التهديد: إيران لم تعد طرفًا يُشتبه به، بل فاعل مباشر يُوقع على جرائمه بالصواريخ البحرية والتقنيات المتقدمة التي تُدينها بالدليل القاطع.

لقد جاءت هذه العملية النوعية المُباغتة، لتدق جرس الإنذار مجددًا، وتؤكد أن ما يحدث في البحر الأحمر ليس سلوكًا عشوائيًا لجماعة إرهابية، بل ركيزة في استراتيجية دولة تسعى لإعادة ترسيم خرائط النفوذ، وفرض واقع جيوسياسي جديد، عبر أدوات محلية وأهداف عابرة للحدود، وبالتالي إرساء واقع فوضوي يسمح لإيران بمواصلة سياسة الابتزاز والمناورة في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، حيث تمر نسبة هائلة من التجارة العالمية.

ورغم محدودية الإمكانات، استطاعت المقاومة الوطنية أن تُسقط ورقة التوت الأخيرة عن هذا المشروع، كاشفة أن أمن البحر الأحمر يواجه تهديدًا فعليًا طويل الأمد، يتجسد في إصرار نظام ملالي طهران على استخدام مليشيا الحوثي الإرهابية كأداة عسكرية في معركة نفوذ تتجاوز الحدود، وتهدف- بالدرجة الأولى- إلى تقويض أمن الملاحة الدولية وزعزعة الاستقرار الإقليمي خدمةً لأجندة توسعية لا تتورع عن تحويل الممرات الحيوية إلى ساحات صراع مفتوحة.

ومن خلال تهريب السلاح عبر البحر الأحمر، لا تسعى إيران فقط إلى تثبيت أدواتها في صنعاء، بل إن هدفها الرئيسي من كل هذا السخاء في التسليح لأدواتها يكمن في نيتها توسيع نطاق التهديد البحري، ما يجعل أمن الشرق الأوسط رهينة لاستراتيجية عدوانية تنفذها طهران بلا مواربة، وتُخفي خلفها أطماعًا توسعية حقيقية.

وهذه الشحنة، التي تم ضبطها بجهود منفردة، تُعد رسالة صريحة بإمضاء الحرس الثوري الإيراني، وتؤكد أن البحر الأحمر، بكل ما يمثله من أهمية لحركة التجارة العالمية، تحول إلى ساحة مفتوحة للاستهداف والابتزاز؛ ومجرد وجود صواريخ بحرية كانت في طريقها إلى الحوثيين يُظهر أن إيران تواصل الرهان على تكتيك التخريب البحري، الذي أدى إلى مقتل بحارة مدنيين، وتعطيل خطوط الملاحة، وخلق كوارث بيئية، وتوسيع نطاق القلق الأمني انطلاقًا من السواحل اليمنية.

في المقابل، أثبتت المقاومة الوطنية كخط دفاع متقدم عن الأمن الوطني والملاحة الدولية، مؤكدة بعمليتها الأخيرة أنها تملك من الاحترافية الاستخباراتية والقدرة الميدانية التي تؤهلها للقيام بدور أكبر إذا توافرت الإمكانيات، فهذا الاعتراض المهم والناجح رغم التحديات ومحدودية الإمكانيات، دليل على وعي عسكري وسياسي بمستوى المعركة وتعقيداتها، وجدارة تستوجب الدعم لا التنويه فقط.

إن العالم اليوم يقف أمام لحظة فاصلة؛ إما التحرك الجاد لدعم الجهود التي تتصدى للمخططات الإيرانية التخريبية، أو مواصلة التعامل مع إيران بوصفها طرفًا يمكن احتواؤه، في حين أن الحقائق اليومية تُثبت أنها قوة عدائية يجب ردعها. علاوة على ذلك، فإن الجغرافيا اليمنية بدأت تتحول تدريجيًا- بفضل الدعم الإيراني- إلى منصة تهديد إقليمي عابر للحدود، وإن لم يتحرك المجتمع الدولي بمسؤولية الآن وفورًا، فإن البحر الأحمر لن يكون سوى البداية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية