في الذكرى السابعة لانطلاق العمليات العسكرية للمقاومة الوطنية
حين استردّت الجمهورية نبضها من بين الأنقاض، إلى من حمل البندقية حين كان الصمتُ صوتًا، ومضى من الهزيمة لا ليبحث عن انتقام، بل عن خلاصٍ وإخلاص.
إلى الذين قاوموا، لا من فوق المنابر، بل من تراب الجبهات.
سبعُ سنواتٍ، منذ خرج رجالٌ من بين الرماد؛ يحملون ما تبقّى من شظايا الدولة، ويكتمون مرارة الخذلان ووجع الخديعة، ويتقدّمون من الجبل نحو البحر، ليُكملوا ما بدأوه… جبهةً جديدةً للكرامة، في وجه السلالة التي أرادت للوطن أن يركع.
تلك اللحظة لم تكن طارئةً في الزمن، بل نقطةَ استدراكٍ في مسار وطنٍ كاد أن يُساق طوعًا إلى غياهب الكهنوت.
انطلقت المقاومة الوطنية من الساحل الغربي، لا لتُعلن تمرّدًا، بل لتستعيد المعنى:أن الدولة لا تُهدى، وأن الجمهورية لا تموت، ما دام في هذا البلد من يرفض الركوع.
ولدت من لا شيءٍ سوى الإيمان، ومن قناعةٍ صارخةٍ بأن السلالة، حين تتمكّن، لا تترك شيئًا على حاله: لا الدولة، ولا الإنسان، ولا الفكرة.
ومن تلك الفكرة، تشكّلت قوةٌ تتجاوز الجغرافيا والطائفة؛ تقاتل باسم اليمن، وتؤمن بأن الطريق إلى صنعاء لا يُعبَّد بالانتظار.
لم تكن مقاومة ساحلٍ ضدّ جبل، ولا مشروع منطقةٍ ضدّ أخرى، بل كانت استجابة رجالٍ في وقتِ فراغ الرجال؛ الذين ضُيّقت عليهم السبل، فشقّوا طريقهم بالسلاح، لا بالكلام. رجالٌ يعرفهم كل مقاتلٍ على الجبهات، لأنهم لم يخونوا لحظة، ولم يبيعوا بندقيتهم في سوق الولاءات.
لم تتوقف المقاومة الوطنية عند جبهاتها، بل أنشأت مكتبها السياسي لتقول بوضوح: هذه ليست بنادقَ مُعطّلةً بغياب السياسة، ولا أصواتًا تبحث عن صفقة؛ بل مشروعٌ جمهوريٌّ يُمسك بالأرض، ويُخاطب العالم بلغة الدولة، لا بلغة الشكوى.
سبعُ سنواتٍ تغيّر فيها المشهد، وتبدّلت التحالفات، واهتزّت المواقف؛ لكن المقاومة الوطنية ظلّت على وضوحها الأول: لم تخُض معارك جانبية، ولم تبتلعها الحسابات الصغيرة، ولم تهادن من يرى اليمن غنيمة.
واليوم، والحوثي يطوّق المدن بالجوع، ويبتزّ الناس بأرزاقهم،
ويحوّل الدين إلى أداة، والتعليم إلى طاعة، والوطن إلى سجنٍ يُغنّى فيه للموت؛ تتأكّد الحاجة إلى خطابٍ لا يُساوي بين الجلّاد والضحية، ولا بين الدولة والميليشيا،
ولا بين من يزرع ألغامًا، ومن يزرع أملًا.
المعركة ليست على كرسي، بل على مصير؛ على وطنٍ ومواطن، لا على دُوَيدارٍ يتملّق، ولا وصيفاتٍ يتزيّنّ في بلاط السلالة. هل نحيا بدستور، أم نُحكم بنسب؟ هل نحلم كأمّة، أم نُساق كقطيع؟
هذه الذكرى ليست للاحتفاء، بل للتذكير بالجرح: بأن الشهداء لم يموتوا ليحكمنا كاهن، وأنّ الأسرى لا ينتظرون خطابات، بل رجالٌ يُكملون الطريق، وأنّ الوطن لا يُبنى بالحياد، حين تكون المعركة على الهويّة.
فلتكن هذه الذكرى إعلانًا متجدّدًا:
لن تُخطف صنعاء إلى الأبد، ولن يُحكم اليمنيّون وهم مقيّدون بفتاوى السلالة، ولن تبقى الجمهورية في حالة دفاع، بل في طور استعادةٍ كامل على الأرض، وفي الوعي.
المجد لمن ماتوا وهم واقفون، الحرية لمن لا يزالون خلف القضبان، الخزي لكل من حاولوا تزييف الحق، الموت للكهنوت، والنصر لليمن الجمهوريّ الذي لا يموت.