العقيدة الحوثية كما وردت في الملازم - (الوثنيات 1)
هناك من يجادلنا حول قضايا تتعلق بالحركة الحوثية مثل نزوعها الطائفي، وعدم الاعتراف بالتعددية السياسية والثقافية، وإيمان قياداتها الدينية والسياسية والعسكرية بأنهم موضوع للاصطفاء الإلهي، ويجادل حول عدم ارتباط هذه الحركة بالمشروع الإيراني في المنطقة العربية، ويعتبر أن الحركة مدنية ثقافية في الأساس، وتميل إلى التجديد الفكري، وينفي عنها السلفية، وفي الحقيقة أن كل هذا من قبيل الأساطير الإعلامية ليس غير.. لقد كانت تلك القضايا محددات رئيسية لنشأة هذه الحركة، أما تجلياتها الفكرية فقد كانت سلبية للغاية، بل ومدمرة.. في بداية الأمر قدمت الحركة نفسها بوصفها حركة ثقافية- مدنية- سلمية، لكن سرعان ما برزت كحركة عنف، شنت خلال السنوات 2004- 2009 ستة حروب لاسقاط أجزاء من الدولة.. وعلى الرغم من أنها كانت تطلق على نفسها "منتدى الشباب المؤمن" في تسعينيات القرن الماضي، وشاركت في ما سمي بثورة فبراير 2011 تحت اسم"شباب الصمود"، ثم أصبحت منذ عام 2013، تطلق على نفسها اسم "أنصار الله"، بوصفها مكونا مدنيا، إلا أنها كانت من الناحية الأخرى تواصل تعزيز قدراتها العسكرية، وطورت تكوين مليشيات مسلحة، وأسقطت الدولة في نهاية المطاف، بفضل سيطرتها على أسلحة ومقدرات الدولة، وبسبب الدعم الإيراني الذي أصبح مكشوفا في السنوات الأخيرة.
عن تلك القضايا المشار إليها، والتي يجادل حولها بعض الموالين للحركة جدالا حميما، وأولئك الذين لا ينظرون لها بمعزل عن القضايا الرئيسية التي سنسلط الضوء.
في ما يتعلق بارتباط الحركة بالمشروع الإيراني في المنطقة العربية، نجد أن مؤسس الحركة الحقيقي السيد حسين بدر الدين الحوثي، بذل جهدا ثقافيا وسياسيا في سبيل إظهار إيران وحزب الله في جنوب لبنان الأسوة التي يتعين على رجال الحركة التأسي بها. فقد كان يقدمهما لأتباع الحركة في أبهى صورة، وهذا أمر يظهر بجلاء في المحاضرات التي كان يلقيها عليهم في جلسات خاصة، وقد سجلت هذه المحاضرات ونشرت في ما يعرف بالملازم التي تعتبر الزاد الفكري للجماعة وأتباعها، بل هي تكاد تقابل كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" الذي أصبح دستورا وثنيا يتعبد به الإخوان المسلمون في مصر واليمن وغيرهما. ولأن عدد هذه الملازم أكثر من 50 ملزمة، فإننا سنكتفي – في ما يخص موضوع هذا الجزء من المقال- بما ورد في أربع ملازم فقط، الأولى بعنوان "دروس من هدي القرآن سورة المائدة - الدرس الأول"، والثانية بعنوان "سورة المائدة - الدرس الثاني"، والثالثة بعنوان "مسئولية طلاب العلوم الدينية"، والرابعة بعنوان "سورة آل عمران- الدرس الثاني".
صلة عائلة الحوثي بإيران ليست خفية، فقد أمضى السيد بدر الدين الحوثي (الأب) سنوات عدة في إيران بداية من منتصف العقد الأول من التسعينيات، وتردد على الحوزات والمراجع الشيعية هناك، ومن بعده تردد ابنه السيد حسين بدر الدين الحوثي على إيران مقتفيا أثر والده، ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر نتائج هذه الزيارة، حيث انتقل إلى إيران كثير من الشباب اليمني للدراسة الدينية، ومن ثم تحولوا إلى شيعة اثني عشرية، وهناك صحيفة ألكترونية تسمى"المستبصرون"، يعرض فيها أولئك الشباب التجارب التي مروا بها لكي يتخلصوا من الزيدية ومن السنية، ويصلوا إلى اليقين، وهو أن المذهب الاثناعشري خير المذاهب وأصحها.. في محاضراته كان السيد حسين بدر الدين الحوثي يقدم إيران وحزب الله بوصفهما الأسوة التي يجب على أتباعه التأسي بهما في أمور الدين والدنيا، وفي ما يتعلق بالحكم الإسلامي الذي لا نظير له في الصحة والاستقامة!
كان السيد حسين بدر الدين الحوثي يعرض على مريديه تفاصيل عن شخصية الخميني، باعتباره الرجل الوحيد الذي تتوافر فيه معايير إلهية! وحظي السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان بنفس التوصيف تقريبا، فهو أيضا تتوافر فيها نفس المعايير الإلهية من وجهة نظر الحوثي.. تلك المعايير الإلهية هي أن السيدين الخميني ونصر الله كلاهما شيعي اثناعشري، وكلاهما من نسل هاشم، وكلاهما يواليان الإمام علي بن أبي طالب.. يقول حسين بدر الدين الحوثي: إن العرب وقفوا ضد السيد حسن نصر الله، بينما كان يتعين عليهم موالاته... أتشاهدون حسن نصر الله وهو يتكلم؟ يتكلم بملء فيه، بكل قوة، كلام مجاهد شجاع، كلمات تحتها جيش من المجاهدين الشباب، يتكلم بعبارات تهز إسرائيل، وهو بجوار إسرائيل، ويعلم ما لديها من أسلحة نووية وصواريخ ووو.. ذلك لأن حسن نصر الله يتولى الله ورسوله والإمام علي، فهو هاشمي، شيعي، من رجال علي، ومن كانت هذه المعايير الإلهية تتوافر فيه- هاشمي- شيعي- موال للإمام علي، فمن الطبيعي أنه عندما يصبح حاكما فانه سيهتم بأمر الناس من تلقاء نفسه.. أي ليسوا في حاجة إلى تكليف أنفسهم مشقة الطلب، هو سيحقق المراد من تلقاء نفسه بحكم المعيار الإلهي المتوافر فيه.
ويقول حسين: إن العرب وقفوا ضد الإمام آية الله الخميني، الرجل القوي الذي وقف ضد إسرائيل، بدلا من أن يقفوا تحت لوائه.. وإن الإمام الخميني في الوقت الذي كان فيه يعيش حياة زهد- وهنا يحيل السيد حسين اتباعه إلى ما ورد في كتاب "مدافع آيات الله" لمحمد حسنين هيكل- فإنه مع ذلك وإلى جانب تكوينه جيش المجاهدين المسلحين بالبوازيك والدبابات والطائرات والبنادق، كون جيشا يحملون المفارس والكريكات والهندسة والحراثات والمعدات الثقيلة لتشييد السدود والجسور والمصانع والمدن. ويحرص حسين على التأكيد دائما أن الإمام الخميني تتوافر فيه معايير إلهية، لذلك اهتم بالناس.. الخميني ملأ إيران بمشاريع في مختلف المجالات.. أصبحت إيران دولة صناعية.. إيران الخميني اهتمت بالاقتصاد والتعليم والصحة وأحدثت ثورة علمية في غضون سنوات قليلة بعد انتصار الثورة الإسلامية.. إيران الخميني- الرجل ذو الكمال الإلهي، أنشأ في إيران طرقا طولها 40 ألف كيلو متر خلال سنوات قليلة، بينما كان طولها أيام الشاه محمد رضا بهلوي 14ألف كيلو متر فقط، رغم أن بهلوي كان لديه 5 ملايين برميل نفط في اليوم الواحد.. وقال: زرنا إيران فوجدنا الريف مثل المدن: طرق، مدارس، صحة، زراعة، صناعة، الخ.. وهكذا إلى أن يصل حسين الحوثي بأتباعه إلى اقتناع أن إيران دولة مثالية، في كل شيء، والسبب أن حكامها هاشميون، شيعة اثناعشرية، يوالون الإمام علي بن أبي طالب.. ثم يعقد لهم مقارنة مع اليمن، حيث إن حكامها ليسوا من آل البيت، ولا شيعة، ولا موالين للإمام علي، بل يوالون أبي بكر وعمر بن الخطاب- كما قال- لذلك فإننا هنا في اليمن نذهب لهؤلاء الحكام نتابع من أجل مشروع ماء فنحصل عليه بعد سبع سنوات، بينما في إيران وجدنا رجال السلطة هم الذين يزورون الأرياف، حكام ينظرون ما هي احتياجات الناس في الأرياف ثم يلبونها.. إذن لابد أن يحكم اليمن أشخاص تتوافر فيهم معايير إلهية، أي يكونون من آل البيت، شيعة، يوالون الإمام علي، وبالضرورة لابد أن يكونوا من حزب الله، فكيف يمكن أن نكون حزب الله؟