مشروع مياه باب المندب.. ملحمة حياة في المعركة الوطنية
على الساحل الغربي لليمن، حيث مضيق باب المندب الاستراتيجي، ظلت قرى مديرية ذو باب المندب تعاني من عطشٍ قاسٍ لسنوات جراء الحرب المفروضة من قِبل مليشيا الحوثي التي دمرت كل شيء، وتحولت ندرةُ المياه في هذه المنطقة إلى كابوس يلاحق الأهالي، ويلقي بظلاله على كلّ تفاصيل حياتهم، ما يضطرهم لقطع مسافات طوال تمتد إلى كيلو مترات لتأمين النزر اليسير من المياه الصالحة للشرب.
لكنّ بزوغ فجر الثاني من يوليو 2024، حمل معه بشارة الأمل لـ16 ألف إنسان يسكنون قرى متناثرة في المنطقة، حين تمّ افتتاح مشروع مياه باب المندب، ليُصبح شريانًا ينبضُ بالحياة في أرجاء هذه المنطقة التي ترقبت هذه اللحظة منذ نحو عام، عندما وضع نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي- رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية طارق صالح، حجر الأساس لهذا المشروع بدعم سخي من دولة الإمارات العربية المتحدة.
ووصف العديد من الأهالي هذا اليوم بيوم الفرج والخلاص من معاناة العطش. وقال أحد كبار السن أثناء التدشين: "لم نصدق أن هذا اليوم سيأتي، كنا نعاني الأمرّين من أجل الحصول على الماء، والآن- بفضل هذا المشروع- أصبح الماء متوفرًا في بيوتنا".
وأضافت إحدى الأمهات: "أشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة الماء، وأشكر كل من ساهم في إنجاز هذا المشروع، الذي خفف عنا الكثير من المعاناة، وأصبح بإمكاننا الآن العيش حياة كريمة بدلًا من العذاب تحت الشمس للحصول على قطرة ماء".
لم يكن هذا المشروع مجرّد إنجاز عابر، بل كان بمثابة ملحمةٍ يمنيةٍ كتبتها عزيمةُ وسواعدُ المخلصين بقيادة نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، طارق صالح، حيث تضافرت الجهود وتكاتفت العزائم بدعم الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليتحوّل حلم الحصول على الماء العذب من سرابٍ بعيد المنال إلى حقيقةٍ واقعةٍ ملموسة.
لن يقتصر مشروع مياه باب المندب على توفير احتياجات الناس من الشرب فقط؛ بل سيتجاوز ذلك ليشملَ أبعادًا أعمق وأكثر شمولًا، فالمشروع سيساهم أيضًا في تحسين الظروف الصحية في المنطقة باعتبار المياه الملوثة سببًا رئيسًا لتفشي الأمراض، كما أنه يعزّز من الشعور بالأمن بين الأهالي الذين كانوا يعيشون حالة قلق دائم؛ نظرًا لعدم قدرتهم على تأمين القدر الكافي من المياه العذبة الصالحة للشرب.
مدير هيئة مياه الريف في محافظة تعز المهندس طارق رزاز، أوضح أن المياه التي كان يعتمد عليها أهالي هذه المناطق للشرب متملحة تفرضها عليهم الضرورة الحتمية؛ مشيرًا إلى أن تلك المياه في معايير منظمة اليونيسف غير صالحة للشرب.. ومؤكدًا أن مشروع مياه باب المندب عالج هذه المشكلة من جذورها لـ30 بالمئة من سكان المديرية.
إنجاز هذا المشروع لم يكن رحلةً سهلةً، فقد واجه القائمون عليه العديد من التحديات، بدءًا من خطورة الألغام التي نشرتها المليشيا الحوثية في المنطقة المترامية الأطراف ما أدى بالفعل إلى انفجار بعضها في آليات العمل، وصولًا إلى صعوبة الحصول على آبار عذبة في المنطقة ذاتها؛ لكنّ العزيمة والإصرار هُزمَت أمامها كلّ العقبات، وخرج المشروع إلى النور ليُصبح في متناول آلاف البشر في المنطقة.
مع تدفق المياه العذبة إلى المنازل في قرى باب المندب، ارتسمتْ ابتساماتُ الأمل على وجوه السكان، وتجدّدتْ مشاعرُ الفرح والسعادة في أوساط العائلات التي عانت ظروفًا شاقة جراء تداعيات الحرب المفروضة من قِبل مليشيا الحوثي الإيرانية، لتأمين احتياجها من المياه الصالحة للشرب في منطقة تعاني أساسًا من تملح التربة والمياه، وهو ما حتّم على خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة، بتوجيهات طارق صالح ودعم الإمارات، إيجاد مصدر مياه عذبة مهما كانت التكاليف والصِعاب.
وأكدّ مدير الخلية الإنسانية للمقاومة الوطنية، عبدالله الحبيشي، أنّ تشغيل مشروع مياه باب المندب يُساهم في رفع نسبة المناطق المغطاة بمشاريع المياه العذبة في مديرية ذُو باب إلى مستوى قياسي حيث بات 70- 80% من أهالي مديرية ذُو باب ينعمون الآن بالمياه العذبة، وذلك بفضل المشاريع التي نفذتها خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة الوطنية، والهلال الأحمر الإماراتي وبعض المنظمات الدولية.
وتمّ إنجاز هذا المشروع بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار جهودها الإنسانية الدؤوبة لتخفيف معاناة الشعب اليمني؛ مُجسدة بذلك قيم التعاون والتضامن بين الأشقاء، وعمق العلاقات الأخوية بين البلدين.