مع تصاعد وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط عقب أحداث غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، واشتداد الموقف الإنساني والعسكري في فلسطين، اتجهت الأنظار نحو موقف محور الشر الإيراني المنادي طويلاً بمقاومة الاحتلال، غير أن الموقف بدا فاضحًا خلاف المرات السابقة، كاشفًا عن تخادم لم تستطع الشعارات والخطب حجبه عن المجتمع العربي هذه المرة.  

وما كان خافيًا ظَهر اليوم على السطح، وسقطت ورقة التوت، ولطالما قال المراقبون إن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران وأذرعها علاقة حميمية، وما ضجيج الشعارات التي تسلط عليها الأضواء سوى عقدة الحبكة الدرامية لإضفاء طابع الواقعية.

محور الممانعة الممتنع عن حرب أمريكا وإسرائيل منذ يومه الأول، أوقعته حرب غزة الأخيرة في مأزق حقيقي وضعت دعايته على المحك أمام مجتمع جذبه ذات يوم شعار الموت لإسرائيل بخليط من مشاعر العداء والتعاطف التي أنبتتها مآسي الفلسطينيين خلال العقود الماضية.

مأزق قاد إلى سرعة إظهار التخادم بين محور الشر وأمريكا، عبر السماح لأذرع إيران بشن هجمات محدودة التأثير وأخرى بلا أضرار، لإزاحة الحرج من جهة، ويعطي أمريكا مبررًا لتواجد سفنها الحربية في البحر الأبيض المتوسط تحت ذريعة ردع حزب الله، وفي البحر الأحمر ومضيق باب المندب بمبرر مليشيات الحوثي.

وهو تواجد وانتشار ما كان ليحدث بالشكل الحالي لو لا هجمات أذرع إيران التي لم تتجاوز الجدار الحدودي للاحتلال الإسرائيلي، ولم يتوقف الأمر عند أمريكا بل تسببت عنتريات الحوثي الدرامية، بإعطاء فرصة لإسرائيل لنشر سفنٍ حربية في البحر الأحمر لأول مرة منذ خمسين عامًا، مما أكسبها ميزة عسكرية على محيطها العربي، ما كانت لتنالها لولا وجود الحوثيين.

تخادم عزز كشفه تقرير لمجلس النواب الأمريكي، الأسبوع الماضي، تضمن سماح الولايات المتحدة للبنك المركز العراقي بسداد ديون إيرانية بمبلغ ملياري دولار، عوضًا عن إسقاط الأمم المتحدة للعقوبات المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية في ذات الفترة، وبهذا قدمت لإيران مكافأة الخدمات الجليلة في الشرق الأوسط. 

إلا أن المؤشرات تقول إن ذلك كله لم يكن إلا البداية فقط، وما تحمله الأيام القادمة، وتوعد الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه أمريكا بتغيير شكل الشرق الأوسط لعقود قادمة، قد يزيح الستار عن تخادم أكثر صراحةً، يغلق الستار عن تمثيليةٍ استمرت أربعة عقود، في مسرح أرضيته أربع عواصم عربية، وربما يكون المشهد الختامي في عاصمة عربية جديدة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية