منذ تأسست، أدركت مليشيا الحوثي أن المجتمع اليمني لن يتقبل عودة الإمامة لحكم وطنهم، وأن الشعب لن يحني رأسه قط لجماعة تريد إعادة الوطن إلى نظام استبدادي سلالي قضى عليه الشعب في ثورة مجيدة مثلت نقطة البداية لجمهورية يمنية واحدة من أقصى البلاد إلى أدناها.

ولإدراكها المبكر، سعت المليشيا الحوثية لابتكار أساليب تدليس تمكنها من السيطرة على الوعي الجمعي لليمنيين وإقناعهم بفكرها الشاذ وقيمها الظلامية والعنصرية، فحشدت كل أدواتها لضرب الوعي الشعبي وخلخلة الرأي العام، مستهدفة المدن والأرياف، بأساليب متعددة هدفها الاستقطاب وإقناع الجماهير بحقها المزعوم في الحكم وضرورة أن يضحي الشعب بأبنائه في حربها ضد الجمهورية والدولة.

اتجاه إجباري

الاستقطاب المباشر متعدد الأساليب، كان الاتجاه الإجباري الذي اتخذته مليشيا الحوثي، مستهدفة الصف الأول من المجتمع، والأشخاص المؤثرين القادرين على حشد الناس للانخراط في صفوفها، فاستهدفت شيوخ القبائل والأعيان والمؤثرين في المدن باختلاف فئاتهم، سواء كان ذلك الاستقطاب بالمال أو الوعود أو حتى بالتهديد.

وتطورت وسائل الاستقطاب التي مارستها المليشيا بشكل مطّرد، فوصلت إلى تصفية شيوخ قبائل وشخصيات اجتماعية وأخذ الرهائن واحتجاز الأموال وإجبار شخصيات اجتماعية ونخبوية على البقاء في مناطق سيطرتها قيد الإقامة الجبرية، وصولًا إلى الاستقطاب الإعلامي وتحريف المناهج الدراسية والاستقطاب الشعبي متنوع الأساليب الذي يستهدف عامة المجتمع.

مليشيا الحوثي عرفت منذ البدء أن استهداف القبيلة سيكون مهمة سهلة؛ لوجود نظام اجتماعي واضح المعالم أكثر منه في المدينة، يتبع فيه المجتمع شيخ القبيلة أو كبير المنطقة، بعكس المدينة التي تحتاج لجهد مضاعف؛ نظرًا لضعف بنيتها الاجتماعية. ولذا؛ فقد ركزت استهدافها بشكل أكبر على القبيلة والريف.

وعمدت المليشيا الحوثي لاستهداف القبيلة وحرمانها من الفرص وتوجيه خطاب مكثف لاستقطاب أبنائها وإنتاج زوامل لكل قبيلة، كأداة تحشيد تزج من خلالها بأبناء القبائل في حروبها الإجرامية، ولو قسرًا، مستخدمة وسائل عديدة لتحقيق هدفها، فيما لم يؤثر خطابها الموجه أساسًا للقبيلة والريف في أبناء المدن.

ومؤخرًا، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، خاض الحوثيون معارك عنيفة مع قبائل ومجتمعات صغيرة قادت تمردات متعددة الأشكال ضدهم، وصولًا إلى اقتحام مناطقها ونهب وتفجير المنازل والتهجير القسري للسكان، مثل ما حدث في عتمة وحجور والبيضاء والحيمة.

القبيلة هدفًا

يرى رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات الاستراتيجية، عادل الأحمدي، أن مليشيا الحوثي استغلت العديد من الشقوق الموجودة في الخطاب السياسي والإعلامي تجاه القبيلة، وكذلك عملت على تهييج خلافات القبائل فيما بينها، لتجد من داخل بعض النسيج القبلي، مقاتلين يموتون في سبيل العبودية. ويضيف موضحًا: "وبالتالي تم عكس صورة عن أن مناطق القبائل تهاونت مع المشروع الإمامي الكهنوتي الجديد، وهذا أمر ليس صحيحاً على الإطلاق، حتى مع وجود الملابسات التي استغلتها المليشيات لكسب هذا الشيخ على حساب ذلك الشيخ".

ويتفق أستاذ الإعلام في جامعتي تعز والحديدة د. منصور القدسي، من جانبه مع الأحمدي، مضيفًا لـ"2 ديسمبر": "المليشيا استغلت أيضًا الجهل السائد في بعض المناطق، إضافة لسياسة التجويع التي تتبعها من خلال استقطاب الشباب من أبناء القبيلة والريف للزج بهم في معاركها العبثية ضد اليمنيين".

ويؤكد الأحمدي: "قام فلول الإمامة بغرس الدسائس بين القبائل، وبين فخوذ وبطون كل قبيلة على حِدة، واستنفدوا جاهزيتها في الصراعات البينية، كما قاموا بحرمانها من الحصول على سلالم الترقي ووسائل التطور، والمتمثلة في التعليم وحيازة المال والاطلاع على معطيات الحضارة المعاصرة".

مؤشرات فشل

يتفق الدكتور القدسي والأستاذ الأحمدي، في أن مليشيا الحوثي استهدفت القبيلة والريف بنفس درجة استهدافها للمدينة، ولم تنجح في كليهما، لكنّ مؤشرات عديدة تشرح ذلك بشكل أدق، فقد رصدت وسائل إعلام قيام المليشيا الحوثية بتصفية واختطاف وتدمير منازل 22 شيخًا قبليًا في مناطق سيطرتها، خلال عام واحد فقط (مارس 2020 – فبراير 2021).

وتؤكد هذه الإحصائية وحدها حجم الفشل الذريع الذي لحق بالمليشيا وعملها الدؤوب لاستقطاب المجتمع اليمني للانخراط في صفوفها، يقول الأحمدي: "الإمامة في حقيقة الأمر، هي مشروع مدمر للمجتمع ككل والقبيلة مكون أصيل فيه، وهذا ما أدركته طلائع الأحرار اليمنيين منذ بدايات القرن الماضي. لهذا؛ كانت القبيلة سندًا وعونًا لكل محاولات التحرر وصولًا إلى الثورة السبتمبرية الخالدة، وقدمت قوافل من الشهداء إلى الحد الذي دفع أحد الأكاديميين إلى وصف سبتمبر بأنه ثورة القبيلة على الإمامة".

الثورة ومساعي الطمس

كونها نقطة البداية الأولى، مثلت ثورة 26 سبتمبر المجيدة واحدة من أبرز النقاط التي حاولت المليشيا طمسها من الوعي الشعبي من خلال وسائل عديدة، تبدأ بالتنكر لها وتزييف حقيقتها، ولا تنتهي بمنع الاحتفال بها في بعض المناطق.

وفيما نجحت مليشيا الحوثي في منع إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر في مناطق عديدة خلال الأعوام الماضية، كان الاحتفاء بالثورة يتوسع كل عام ويتمدد إلى مختلف المناطق اليمنية، فوجد الحوثيون أنفسهم في مواجهة تعبير شعبي بالغ الدلالات لم يتخيل قادة المشروع الكهنوتي أنه سيحدث بعد كل ما بذلوه من جهد لطمس معالم الثورة وقيمها.

يقول الدكتور القدسي: "إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر في العديد من المناطق الخاضعة للمليشيا، تحدٍّ واضح لمحاولات الاستقطاب والطمس التي يقوم بها الحوثيون منذ انقلابهم على الدولة؛ بل إن دلالاته هي مقاومة سلمية لمشروع الكهنوت الحوثي البغيض، تنم عن فشله في ترويض الناس لتقبل الاحتفاء بنكبة 21 سبتمبر التي اختارها بعناية لجرف مكتسبات ثورة 26 سبتمبر من ذاكرة اليمنيين، ولعل احتفال الحوثي المبالغ فيه بالمولد النبوي الذي صادف هذا العام احتفاء الشعب بذكرى ثورتهم المجيدة، محاولة حوثية يائسة أيضًا لطمس ثورة 26 سبتمبر".

استشعار ومقاومة

ويقول الدكتور منصور القدسي: "القبائل استشعرت خطورة مشروع المليشيا الذي لا يمت للمذهب الزيدي بِصِلة، فهي تتبع المشروع الإيراني الطائفي الدخيل على اليمنيين، والقبائل استوعبت خطورة ما تقوم به المليشيا، خاصة بعد انكشاف عورتها العنصرية وتعاملها السلالي والتمييزي".

في حين يذكّر الأحمدي باندفاعة قبائل مأرب للدفاع عن الجمهورية أواخر عام 2014م، وتضحيات مختلف القبائل اليمنية في معركة استعادة الدولة حتى اليوم، مشددًا على أن "القبيلة قاومت المليشيا الحوثية منذ الحرب الأولى وطوال الحروب الست، وصولًا إلى معركتنا الوطنية التي نخوضها منذ عام 2014م، وشاركت القبيلة والريف في المعركة بالقدر الذي شاركت فيه المدينة".

معركة وعي طويلة خاضها، ويخوضها اليمنيون ضد محاولات المليشيا الحوثية تكريس فكرها الطائفي والسلالي في الوجدان الشعبي، لكنّ ورغم كل ما تبذله المليشيا المدعومة إيرانيا من جهود تأتي احتفالات الشعب اليمني بأعياد الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر تجدد كل عام هزيمة المشروع الكهنوتي وانتصار قيم الجمهورية على كل مساعي الطمس.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية