عبور خط بارليف وجدار غزة.. أوجه التشابه والاختلاف
بين عبور جدار غزة واقتحام خط بارليف 50 عاما، شابت فيها رؤوس المشاركين في العاشر من رمضان وانحنت كثيرا ظهور من بقي منهم قبل أن يسمعوا عن عملية عسكرية مشابهة تذكرهم بتلك الأيام وذك الانتصار العربي الكبير، ولكن مع شيء من الحسرة التي تنبعث من الفارق الجوهري بين هذا وذك حيث بات اليوم الدم عربي والمكاسب أجندة إيرانية.
وقد باينت الأيام والسنون الـ50 الفاصلة بين الحدثين الراسخين في الذاكرة العربية، ولكن وحدت بينهما مشتركات من بينها العدو الموحد، والإقدام الأسطوري، فبين الحدثين واليومين أرحام موصولة وأوجه شبه تنتفض بين التفاصيل ومن تحت لألاء اللهيب. ومن أوجه التشابه تلك:
تدمير أسطورة الجدار
كان الجدار في الحادثتين عاملا مشتركا، وكان حجم التهويل من خطورة وقوة هذا الجدار وكونه غير قابل للاختراق جزءاً من الحرب النفسية التي طالما مارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد العرب. كان جدار بارليف قويا للغاية كلف إسرائيل 500 مليون دولار من أجل بنائه، قبل أن تتبلور فكرة إذابته لدى البطل المصري المهندس اللواء باقي زكي يوسف الذي اقترح إذابة الساتر الرملي للجدار من خلال مضخات المياه، وهكذا انطلقت نوافير المياه برشاقة الطوفان لتدمر أجزاء مهمة من الجدار، ولتزرع القذائف بعد ذلك أكثر من 80 فرجة مكنت الجيش المصري من إحراز أهم نصر في تاريخ المواجهة بين العرب والإسرائيليين.
حمل الحصن اسم القائد العسكري حاييم بارليف، وامتد 12 كيلومترا داخل جزيرة سيناء، وعلى جوانبه أقيم 22 موقعا دفاعيا بطول 170 كيلومترا على طول قناة السويس، إضافة إلى منصات لإطلاق الصواريخ ومرابض للدبابات، ومحطات اتصال لاسلكي.
أما الجدار الذكي فيمتد على طول 65 كيلومترا على طول غزة، وينتهي إلى البحر منعا للمقاومة من حفر أنفاق تحت الماء، بينما يرتفع إلى 10 أمتار، ويمتد عمقا لأكثر من 25 مترا تحت الأرض، واكتسب الجدار صفة "الذكاء" من حجم الرقابة التقنية المحيطة به من كاميرات ومجسات وأجهزة تحسس، وقد كلف الجدار إسرائيل أكثر من مليار دولار، واستغرق تشييده 3 سنوات، لكنه نال مثلما نال جدار بارليف، وكسرته سواعد قوية زرعت الموت في قرى غلاف غزة، وأخرجتهم من بيوتهم في رعب مرير.
المباغتة سر الانتصار
أخذ عنصر المباغتة جزءا أساسيا من تحطيم القوة الإسرائيلية، ففيما كان الجنود الإسرائيليون في بارليف مستمتعين بعيد الغفران عام 1973، دوى الرصاص المصري والسوري من كل حدب، وترامى القتلى والأسرى وبقيت إسرائيل في دهشة استمرت 6 أيام قبل أن يتدخل الدعم العسكري الأميركي لإقامة جسر جوي يمنع من توسيع النصر العربي.
أما في حالة السابع من أكتوبر فقد كانت المباغتة جزءا من خطة الدفاع، حيث أعطت حماس الانطباع لإسرائيل بأنها غير راغبة في موجة جديدة من القتال، أما تل أبيب فقد كانت غارقة في نوم ثقيل من الاطمئنان العسكري، قبل أن يحرق الفجر اللاهب حالة الأمن المزيفة.
أعياد الغفران والعرش
جمع السبت الحارق أيضا بين الحدثين، فقد كان في بارليف أول أيام عيد الغفران (الكيبور) أقدس أعياد اليهود، أما في الفجر الغزاوي فقد كان آخر أيام عيد العُرش الأثيرة أيضا عند اليهود.
ولأن جمع السبت بين الحدثين، فقد كان شهر أكتوبر/تشرين الأول وعاء زمنيا للحدثين، حيث جرى اقتحام بارليف في السادس، بينما جرى عبور سياج غزة في السابع من الشهر ذاته.
حجم القتلى والأسرى
لم يستقر بعد عداد القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين في هجوم غزة، ولكنه لا يستبعد أن يقترب من العدد الذي سقط في حرب عام 73، خصوصا إذا قررت إسرائيل شن حرب برية على القطاع.
ففي حرب 1973 اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل أكثر من 2800 من جنودها وأسر أكثر من 500، في حين لا يزال العدد الإجمالي للقتلى والأسرى الإسرائيليين مجهولا حتى اللحظة في ظل التغير المستمر في الأرقام والحصيلة التي تقدمها الجهات الإسرائيلية الرسمية. أما الفلسطينيون فقد فقدوا لحد الآن قرابة 4000 شهيد، وأكثر من 10 آلاف جريح.
الحسرة الإسرائيلية
تجرع الإسرائيليون المرارة، وظهر ذلك في تصريحاتهم وكتاباتهم، فقد كتب إيهود باراك الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للوزراء وفق ما نقلت عنه بي بي سي "لقد كانت الوجوه شاحبة كأنما يعلوها التراب، فقد كانت هذه اللحظة هي الأشد قسوة خلال الحرب، وبعد ذلك بدأت القوات الإسرائيلية في دخول المعارك وكسب السيطرة على مساحات من الأراضي، لكن في ذلك اليوم ضاع أثر نصر 67 النفسي وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلي لا يهزم".
أما الفوارق بين الحدثين، عبور خط بارليف وجدار غزة فهي كبيرة أيضا وجوهرية حيث كان نصر 73عروبيا خالصا وشاركت فيه مع مصر 12 دولة بمستويات معينة في حين عبور جدار غزة رغم ما تحقق وما أصاب هيبة جيش الاحتلال الإسرائيلي إلا أن دخول إيران على الخط حرف مسار الحرب من حرب للقضية الفلسطينية إلى حرب بالقضية الفلسطينية.