نظام الجباية في حكومة صنعاء الانقلابية
الدولة الريعية بمنظورها الفلسفي، ذلك المعطى الانتهازي القائم على سياسة الاستهلاك والاستغلال مع الزيادة في الإنتاج والقلة في الصرف وعدم العدالة في التوزيع. ولطبيعة الأيديولوجية المتخلفة التي تنطلق منها جماعة الحوثي الراديكالية، لكونها جماعة عصبوية سلالية تعيش على الدماء، وتدعي الحق والاصطفاء الإلهي المشرعن لها بالحكم، والعمل بما يسمى الأوتوقراطية، وهي حكم القلة المناهض لحكم الأغلبية، ورفض أي شكل من أشكال الشراكة التوافقية المشروعة، وباستخدام لغة القوة في الاستيلاء على الثروة والسلطة بطريقة غير شرعية أو قانونية.
ومن خلال الممارسة السياسية الفعلية والملموسة من الواقع التجريبي المعيش والمستمر حتى اللحظة الزمنية، تطرح دقة التوصيف الموضوعي للعصابة الحوثية المنحلة سياسيًا بأنها تعد نموذجًا للحكم الشمولي البحت، وذلك بما اقترفته بحق الشعب اليمني الأصيل خلال ثمانية أعوام متتالية بإعادة إنتاج الحكم الإمامي بكل أشكاله وصوره المتوحشة، وممارسة السياسة الديماغوجية لتضليل وتجهيل الشعب وطمس هويته الثقافية والحقوقية والوطنية من أجل المحافظة على بقائها وسيطرتها على الحكم الوراثي إلى أمد طويل وفترة زمنية مجهولة، وبطريقة الاتجار بالدين ورفض أشكال التعدد الأيديولوجي وإلغاء المرجعيات التشريعية والدستورية، وتغييب فكرة المواطنة المتساوية نتيجة عدم الإيمان بالآخر، وتنفيذ القرارات السلالية والفرز الطبقي للمجتمع وتقسيمه إلى سادة وعبيد، وعدم صرف مرتبات الموظفين تحت مبرر العدوان والحصار، رغم الفائض المالي العائد من الضرائب والجمارك والزكاة والاتصالات وغيرها من مصادر الثروات، وتحويلها إلى مدخرات خاصة، وعدم مراعاة الوضع الاقتصادي وشحة الدخل المادي لدى المواطن اليمني البسيط، وتسخير تلك الأموال الواردة في المجهود الحربي وإحياء المناسبات الدينية كالمولد النبوي ويوم الغدير والاحتفال بيوم الشهيد وغيرها من المناسبات الموسمية الخاصة بها، التي تستغلها في فرض قرار الإنفاق المالي على كل البيوتات التجارية والبرجوازية الصغيرة، ومحدودي الدخل المادي بطريقة البطش العشوائي دون الإدلاء بريال واحد إلى ميزانية الدولة، وذلك لأنها تعود في قبضة المافيا ورؤوس الأموال التابعين لسلطة الانقلاب الحوثية، وتكريسها في الحفاظ على بقائهم وسيطرتهم على السلطة في شمال اليمن، وتوسيع مشروعهم التدميري، والتجهيل المجتمعي عن طريق تغيير المنهج المدرسي، ورفضهم الانفتاح، ومخالفة أي شكل من أشكال الحداثة والرونق العصري المتقدم.
وبما أن الدولة الفعلية هي دولة الرعاية والبناء والإنتاج وتشغيل الحركة الديناميكية في الأسواق وتوطيد العلاقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع بطريقة تفعيل واستغلال قدراته بالمشاركة في إنجاح مشاريع التنمية، نلاحظ أن جماعة الحوثي ليست أكثر من عصابة وجماعة غير شرعية وليس لها أي صلة تتمثل بتنظيم سياسي يحمل رؤية أو مشروعًا وطنيًا يحقق نهضة تنموية لمصلحة الإرادة الشعبية، فهي تمارس سياستها في السلطة على قاعدة النفوذ الشخصي لمصلحة الجماعة وبالانقطاع الكامل عن صلتها بالشعب اليمني، والانشغال بإثارة قضايا عقيمة تحاول إثارتها لدى الرأي العام بغرض الانشغال بها وعدم التفكير بحقوقه الدستورية المشروعة مع الدحض بالحريات الشخصية واختراق السيادة الذاتية للمواطن اليمني، ومن تلك الممارسات السخيفة إحياء مناسبة يوم الولاية التي كشفت مشروعهم الرجعي، وما يفرز عنها من فروع وأبعاد تتضح في تحليلنا السياسي لها، والتي منها الجانب السلالي بالادعاء الوهمي بأنها من سلالة رسول الله بغرض أن تشرعن لها بأحقية الحكم كونها من طبقة ما تسمى السادة وتنتمي إلى البيت الهاشمي، مع تهميش كل الأعراق والأجناس والمكونات الاجتماعية الأخرى باعتبارهم عبيدًا، وبأن طاعتهم واجبة وعصيانهم مخالفة للدين، لأنهم ظل الله في أرضه، مع فرض قوتهم الجبروتية من منطلق اعتقادهم بأن الجماهير لا يمكن إخضاعها إلا عن طريق القوة والإرغام، والفرع الثاني يبرز منه الجانب المذهبي والطائفي المعروف بالتيار الشيعي الذي من أبجدياته الاصطفاء الإلهي للسادة في الحكم، وفكرة ولاية الفقيه المعتمدة شرعيًا في دستورهم الخاص، مع الإيمان بالولاء والطاعة للسيد الحاكم عليها، وبروز الطابع العنصري للمذهب بعدم الإيمان بالمذاهب الأخرى، ويتفرع الجانب الثالث بالجانب الأيديولوجي السياسي باعتبارهم من اليمين المتطرف المجرد من فكرة التبادل السلمي للسلطة، والادعاء بأنها وجدت لحماية الدين، وتكريس وجودها بما يطلق عليه مصطلح "الكهنوعسقبَلي" الذي يختصر معنى القوة القبلية العشائرية الدينية والعسكرية باعتبارها من الوسائل والأدوات التي تساعدها على التوسع وبسط نفوذها في الاستحواذ على الحكم بطريقة غير مشروعة.
ونظام الجباية الذي نصف به شكل الحكم لدى جماعة الحوثي المنقلبة على الثورة ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ظهر بشكل فعلي بتعامله مع المحكومين منذ انقلاب 21 سبتمبر ٢٠١٤، وذلك بالسيطرة الكاملة على الوضع الاقتصادي، وفرض ملكيتهم الخاصة على وسيلة الإنتاج في كل الموارد القومية، وعدم تنمية الاقتصاد القومي، وتهميش الموارد البشرية الناضجة وذوي الكفاءة والنزاهة، بنزعة إقطاعية غير أخلاقية بما تسمى سياسة التجويع التي أفرغت قوى الحداثة والتغيير في سلب قوتهم اليومي، وإجبارهم على التخلي عن حقوقهم وأحلامهم الوطنية المنشودة.
وبهذا التقشف المالي الذي وصلت إليه المليشياوية الحاكمة في الجزء الأكبر من شمال اليمن، كما تنص عليه الفلسفة السياسية باحتكار العائدات المالية، وعدم الصرف والنوال سوى القوت البسيط الذي لا يسد رمق الموظفين في جميع المرافق الحكومية العامة، وتوظيف تلك السيولة المالية في تثبيت أعمدتها العتيدة في السلطة، وإنفاقها بما يتناسب مع سياستها المفروضة وللجهات المرتبطة بها والمساعدة في تحقيق مصلحتها الخاصة دون العامة.
ومن خلال الشعارات العقيمة التي يتشدق بها المهرطقون الناطقون باسم عصابة الاستبداد الحوثية، تنعكس همجية وعصبوية المنطلق والنهج الذي يعتقد به هؤلاء الأقل نموًا في النضوج العقلي، وعدم الإلمام والاستيعاب لفكرة الدولة والعمل المدني الملائم لطبيعة العصر الحضارية، كونهم يفتقدون الرؤية الاقتصادية لإنجاح مشاريع التنمية، والإيمان بثقافة السلب والاحتكار، ونهب خيرات الوطن في قطع حقوق مواطنيه، وإقصاء الطبقة التقدمية الحاملة للمشروع المدني، والمعبرة عن تطلعات الشعب في تحقيق دولة العدالة الاجتماعية.
ونلاحظ في شعار الموت الشهير الذي يردده أنصار الفرقة السلالية، بأنه شعار واعد بانتهاء الحياة والتضحية بالشباب اليمني في عمر الزهور بهدف يعود لمصلحة الجماعة، وذلك باستغلال صغر أعمارهم في التعبئة الفكرية (الشمشونية)، وغرس فكرة الجهاد في أذهانهم من منطلق عقائدي متطرف، تدفعهم بشكل عفوي في مواجهة إخوانهم المدافعين عن الجمهورية والثورة لاستعادة مشروع الدولة المسلوبة في قبضة جحافل الإمامة العائدة عقب دحرها منذ ستينيات القرن الماضي، مع اختلاف المسميات والشخصيات، وعدم الاعتراض والاختلاف في المشروع الانتهازي القائم على السياسة الإقطاعية والتفرد الأوليغاركي في التحكم بكل الاستثمارات والفائدة النفعية المرتبطة بمصلحتهم الخاصة عن طريق تملك وسائل الإنتاج المختلفة، وما نجم عنها من أضرار اقتصادية وخيمة، وهي المشكلة الجوهرية الناتجة عن الانقلاب، والتي أوقفت عجلة التنمية، وأضعفت الاقتصاد المجتمعي في تدني مستوى الدخل لدى المواطن اليمني، مع تضخم الكثير من السلع والمواد الغذائية نتيجة زيادة العرض وقلة الطلب والشراء لافتقاد العائد النقدي، وقلة فرص العمل المجمدة منذ بداية الحرب الناشبة، وتحت الحكم التقليدي المتعجرف بصلابته الحادة والمهيمن بسيطرته المفروضة على الشعب اليمني، والذي قطع العلاقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع في تحقيق المصلحة الجمعية.
وتثبت الشواهد السياسية، في المعاملات التطفلية المنتهكة كرامة وهوية المواطن اليمني في سلب حريته ومصادرة حقوقه المشروعة من قِبل عصابة الانقلاب الحوثية، ومن تلك الشواهد الواقعية والتصرفات السلبية في التعامل الممنهج لأخذ القسط الأكبر من الأموال الفائضة التي تستثمرها المليشيا في خدمة مشاريعها التوسعية طيلة ثمانية أعوام خالية، فرض الحوثيون رسومًا وجبايات هائلة بطريقة غير دستورية أو قانونية. وبحسب تقارير إعلامية دقيقة، فإن إجمالي خزانات الحوثي خلال 2022- 2023 من قطاعات النفط والغاز والضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف، بلغت 6-4 تريليونات ريال، أي ما يقارب 7- 8 مليارات دولار. ومنع الحوثيون الشاحنات القادمة من ميناء الحديدة من العبور حتى دفع الرسوم الباهظة، والتي بلغت تريليونًا و600 مليار ريال يمني، حجم المشتقات النفطية الواردة من الحديدة منذ الهدنة الأممية في أبريل (نيسان) 2022. وفرض الحوثيون ضريبة الخُمس بنسبة 20%، رغم أن الدستور اليمني في تاريخ الجمهورية اليمنية لم يفرض ضريبة الخُمس، ولم يفرض أي نوع من الضرائب بنسبة 20%.
وبهذه القرارات الاحتيالية والمستغلة ظروف الأحداث الجارية بنزعة انتقامية لاذعة ومجردة من القيم الإنسانية النبيلة، يدفع ثمنها الشعب اليمني الذي سلبته المليشياوية الحوثية أبسط الاحتياجات الروتينية اليومية، والمصنف بحسب تقارير الأمم المتحدة بأنه يتصدر الأول عالميًا في البطالة والمجاعة. يجب توحيد الصف الجمهوري وإصلاح الاختلالات البينية في المقاومة الشعبية تحت راية جيش وطني موحد لاستعادة الجمهورية الملتف عليها من قِبل أحفاد الملكيين المتمسكين بجذورهم السلالية الأصلية.