تحتفي مليشيا الحوثي بنكبة 21 سبتمبر، ذكرى اقتحامها العاصمة صنعاء وإسقاط مؤسسات الدولة، عام 2014، بقوة السلاح، وعلى مدى تسع سنوات أهلكت فيها الحرث والنسل ووضعت اليمن في أزمة إنسانية هي الأسوء عالميًا.

هكذا بدا المشهد نهار اليوم (21 سبتمبر)؛ في العاصمة المختطفة صنعاء ومناطق الإرهاب الحوثي.. احتفاء بأوجاع الشعب وبلعنة مدمرة، وكارثة لم يشهد اليمن مثيلًا لها على مر العصور!

ففي بلدٍ يتشح بالسواد ودوامة الدم والدموع، يبتهج الحوثيون وحدهم، ويقفون على النقيض من أحزان اليمنيين في ذكرى نكبة لم تُبق ولم تذر.. هنا فقط تتكشف للناظر مشاعر طافحة بالفرح؛ ومشهد حشود مصطنعة تساق كالقطيع، واحتفالات متوالية؛ وزحمة مناسبات وفعاليات لا تتوقف.. كرنفال ثورجي هنا، ومهرجان مولد نبوي هناك، وتلطيخة خضراء على مد البصر؛ وزينة باذخة في كل مناطق السطوة الحوثية، وأهازيج متعالية، ومليارات منهوبة تنفق عليها بلا حساب؛ من أرزاق اليمنيين ولقمة عيشهم وعرق جبينهم وموارد دولتهم.. وعلى المنابر ثمة خطابات عنترية لمعتوه يتلذذ بأعراس الدم وسنوات المآتم، ودون اكتراث يحتفل بمولد فكرة عصبوية طائفية أشعلت الحرائق؛ ونكبةِ بلدٍ لم تجلب له سوى الخرائب والضياع!

مشهدٌ ذكّر اليمنيين بمصاص دماء ووحش دراكولي يتربع على تلةٍ خربة؛ فوق كومةِ من الجثث وبحيرةٍ من الدماء؛ ليتراقص على بقايا وطن مدمر؛ وأشلاء شعب نزف بلا حدود، ويتضور جوعًا ووجعًا، لا لشيء إلا لإشباع غرورٍ متضخم وقاتلٍ لا يشبع، يزايد بكل الشعارات الزائفة وينثر الوعود الخادعة، مزهوًا بقطيع مخدوع يفترش الساحات ويزعق بالصرخات ليمنحه القوة والبقاء؛ على حساب وطن يضيع ومستقبل يتفلت من الجميع.. فيما عامة الناس بين فقر وضنك، وبطالة متضخمة وانعدام لقمة عيش؛ والبلد على شفا جُرُفٍ هار، بين انقسام مجتمعي مروع، وجغرافيا مفتتة، ودولة مهترئة وانهيار اقتصاد وعملة في الحضيض، وصراع لم يتوقف نزيفه؛ فضلًا عن عاصمة مكبلة ومحافظات مختطفة حوّلها الحوثيون إلى مقابر لضحاياهم وسجن كبير، ما بين معتقلات قمعية لتكميم الأفواه، وبلطجة معربدة في الشوارع لإخراس الألسن الحرة، وفكر متسلط يغسل الأدمغة ويفرض ما يريد فقط، ليستأثر بولاية مزعومة لا تصلح إلا لسلالته، وثروة لا يستحقها غيرهم!

هكذا يرى المواطنون احتفاء المليشيا الحوثية بصفحة سوداء وذكرى كالحة كضمائرهم، لا يرون فيها سوى أنفسهم، ولا يأبهون معها لشيء، سوى استعادة مَسيَدة سلالية وأحلام تسلطية شبعت موتًا، ولو على بقايا وطن وبقية شعب، بلسان من يقول: "يموت من يموت، ويجوع من يجوع، ويعرى من يعرى"؛ ليتجسد هنا وجع يمني غائر لا شبيه له، ومستقبل مظلم لا يبشر بخير.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية