جثمت الإمامة على أنفاس اليمنيين أربعة عقود مظلمة، عاشوا خلالها حياة القرون الوسطى بالمعنى الحرفي، وتجرعوا شتى أصناف العبودية والإذلال للحد الذي أصبحوا فيه عبيداً شكلاً وموضوعاً، فكراً وسلوكاً، داخل سجن كبير، منعزل عن العالم، ومتخلف عنه قرون مديدة، حيث لا يوجد فيه أي أثر يدلل على أن اليمنيين آنذاك كانوا أحياءً، وينتمون لعالم الإنسانية، لأن الجهل والفقر والمرض كانت تفتك بالغالبية منهم من حين لآخر.

 

كل هذه المؤشرات تؤكد أن نسبة الحرية كانت صفراً.. ولذا؛ كانت أولوية من أولويات الثورة، وحلماً جوهرياً ارتكز عليه الفعل الثوري، وسعى بكل السبل في سبيل تحقيقه، فكان وثوب اليمنيين بطبيعتهم التحررية للخلاص من سجن العبودية والظفر بملامح الحرية مهما كلفهم ذلك من ثمن باهض ودم كثير أُريق تضحية وتجسيداً لمعنى الكفاح والنضال حتى خرجت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وترسخ النظام الجمهوري المنادي بالمساواة والحرية باعتبارهما ركنين ثابتين من أركان الجمهورية.

 

ظلت النضالات المستميتة تتوالى منذ اليوم الأول للثورة، ولم تخفت عزيمة الثوار الأحرار أو تتلاشى، واستشعر الشعب أن ماضيه قبل هذا اليوم يجب استئصاله جذرياً، طالما وأن هذا الفتح الكبير الذي تحقق قد جلب لهم أساسيات الحياة، ووطد لهم جذور الدولة، وبات الجميع في نظر القانون متساوين، لا سادة ولا عبيد، وإنما هناك مُواطَنة وضوابط وقوانين تشمل العامة والخاصة بحفظ كرامتهم وحريتهم.

 

ورغم الصعوبات التي أعقبت قيام الثورة والتحديات الجسيمة التي واجهت نجاحها؛ فإن الإرادة كانت أسطورية، وقد تجلت في أبهى حلة في حصار السبعين الذي كاد يُسقط الجمهورية لولا الصمود البطولي الذي وقف أمام عودة الإمامة ومحاولتها استعادة ما فقدته من جاه وسلطان؛ إذ رفع اليمنيون شعار "الجمهورية أو الموت"، وكان المعنى واضحاً وجلياً؛ لأن الجمهورية حياة وحرية والإمامة عبودية، والموت أهون منها وأكثر رحمة، ولا جدال في زحزحة هذا اليقين أو تجميده، فالبشاعة الكهنوتية كانت قاسية، والحرية فردوس لا معنى للبقاء دون وجودها.

 

ومن هنا؛ فإن تقديسنا وإجلالنا لهذا اليوم العظيم لم يأتِ من فراغ، وإنما لأنه خلصنا من طغيان السلالة وجبروتهم، وتفشي الخرافة والشعوذة والأوهام الخبيثة، فهذا اليوم منح اليمنيين أنفسهم، ورسم مستقبلهم وقضى على بؤسهم وعذاباتهم، وجعلهم ينتمون إلى العصر ومظاهر التحضر والتمدن، عبره ارتقى وعيهم وصقلت ثقافتهم وتغير نمط عيشهم وخرج وجودهم من عتمة الكهنوت إلى أفق النور والدولة.

 

تمسكنا بعظمة 26 سبتمبر نابع من إيماننا العميق وارتباط حياتنا وبقائنا بهذا اليوم الخالد، وإذا انحرفنا قيد أنملة عنه فلن ننجو ولن تبقى لنا فضلية إنسانية أو مكسب وطني أو مبدأ جمهوري، وسنغرق في مستنقع السقوط والضياع، ومهما أعاد التاريخ نفسه وعادت فلول الإمامة بثوبها المزركش فإنها لن تصبح جزءاً منا ولن نتقبل وجودهم بأفكارهم الرجعية ومشروعهم العنصري المنتهك للأرض والإنسان.

 

إن تغلغل ثورة سبتمبر في أعماقنا، وتجذر معانيها ومبادئها في تصوراتنا وثقافتنا، يجعلنا على استعداد تام وتأهب دائم للدفاع عنها، والبذل في سبيلها دون تردد، وعلينا أن نترجم شغفنا الكبير بها إلى مواقف وأفعال يتم اتخاذها لدحر المليشيات السلالية، وتحرير الوطن من رجسها ودنسها وانتشال خبثها وعدوانيتها للشعب اليمني.

 

والحقيقة الفعلية التي يجب أن نصدح بها، اعتبار ثورة 26 سبتمبر خطاً أحمر وشرطاً أساسياً لمعرفة العليل من السليم، والحر من العبد، والوطني من المرتزق، واليمني من المتورد، وتُعمم هذه النظرية كمقياس وطني ندرك من خلاله الجمهوري من السلالي، ولا مهادنة أو تغاضٍ مع كل من لا يؤمن بجمهورية السادس والعشرين من سبتمبر، ويجب تطهير المجتمع منه حتى نثبت ولاءنا وعشقنا للوطن ومكاسبه.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية