تحقيق| مليشيا الحوثي تدفن قضية مقتل 21 طفلاً بأدوية مهربة في صنعاء
- أهالي الضحايا يطالبون بتحقيق العدالة وصرف التعويضات
- المشاط يوجه برفض صرف التعويضات المالية
في مطلع أكتوبر من العام الماضي توفي 21 طفلاً من مرضى سرطان الدّم “اللوكيميا” بعد حقنهم بجرعة دواء ملوثة اسمه "ميثوتريكس" في مستشفى الكويت الجامعي بالعاصمة المختطفة صنعاء، التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، وحينذاك اعترفت وزارة الصحة بحكومة المليشيات بذلك.
وبعد أن لقي الأطفال حتفهم بجرعة منتهية الصلاحية تعهدت مليشيا الحوثي بدفع تعويضات مالية لأسر الضحايا التي فقدت أطفالها إثر الجرعة المهربة التي تتبع شركة "سيلون لابز الهندية"، وادعت إجراء محاكمة قضائية لمحاسبة المتورطين.
وتشير كل البوادر إلى محاولة المليشيا الحوثية قتل القضية وطمس هويتها، حيث لم تتخذ أي إجراء قانوني وعملي من شأنه أن يؤدي إلى القبض على الجناة الحقيقيين وكل من له علاقة بهذا الدواء وهذه الجريمة التي أدت إلى إبادة جماعية لعدد 21 طفلاً يمنياً في عمر الزهور.
وبحسب مصادر طبية لـ"2 ديسمبر"، فإن المليشيا الحوثية متورطة في إدخال كمية كبيرة من الأدوية المهربة غير صالحة للاستخدام عبر نافذيها في سوق الأدوية.
وكان هذا العقار خضع لفحص المختبر الدوائي في الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، عقب الجريمة وموت الأطفال وتم اكتشاف تلوث بكتيري في الكمية المستخدمة، التي يتعامل معها مركز علاج اللوكيميا بشكلٍ دائم، بحسب حديث مسؤول في مستشفى الكويت لـ"2 ديسمبر".
إذ يؤكد المصدر الطبي أن هناك أصنافاً عدة منتهية الصلاحية وملوثة بكتيرياً تتعامل بها المليشيات بإدخالها لمستشفيات صنعاء، ومن بين هذه الأصناف الصنف “Methotraxate 50mg / 2ml”، بالإضافة إلى دواء الصنف Methotraxate 50mg / 2ml (MT12135BAQ, MT12101BAQ, MT12108BAQ, MT12032BAQ,) وهي أدوية سامة وقاتلة تفتقر لأبسط المعايير الصحية. على حد قوله.
وعند البحث عن الشركة المصنعة للدواء الذي تم ذكره في تعميم الهيئة العليا للأدوية التابعة لمليشيا الحوثي “Celon Labs” وهي شركة هندية ومقرها في مدينة حيدر آباد، بدأت عملياتها في عام 2007م مع التركيز حصريًا على علم الأورام.
( الرابط يحدد موقع الشركة الهندية
Celon
https://goo.gl/maps/NEXh14YFu5PAva1c8،
)
ومن ضمن العلاجات الرئيسية للسموم التي تقوم بإنتاجها الشركة والمتوفرة على موقعها الإلكتروني، (Methotrexate 2.5 mg Tab/15mg inj /50mg inj)، ضمن أدوية (Anti-metabolites)، ونوع الماركة (METHOCEL)، وهو نفس الدواء منتهي الصلاحية الذي حُقن به أطفال مرضى سرطان الدم بصنعاء.
( https://celonlabs.com/oncology-vivilon/.
رابط عن أنواع الأدوية التي تقوم بإنتاجها الشركة الهندية بينها دواء "الميثوتريكسات" )
محاكمة شكلية
مؤخراً كشفت مصادر قضائية عن مراوغة المليشيا الحوثية في دفع تعويضات مالية وأنها تحاول التنصل من الجريمة البشعة بحق مرضى "اللوكيميا" كونها إحدى الأذرع المتورطة مع الشركة الهندية والتي تعمل لصالحها وهي التي تسمح لهذه الشحنات بالدخول إلى صنعاء عبر التهريب.
وشكلت مليشيا الحوثي محاكمة صورية وأوردت أسماء بعض من تدعي أنهم المتسببون بهذه الجريمة، إلا أنها كانت محاكمة شكلية بنظر الجميع، وفقاً لمحامي أولياء أمور الأطفال الضحايا الذين توفوا بجرعة ملوثة في مستشفى الكويت بصنعاء، والذي يؤكد أن المحاكمة لا تسير حسب ما يرضي أولياء أمور الأطفال الضحايا ولا يحقق العدالة لهم.
وأكد المحامي عبدالمجيد صبرة، بعد الجلسة التي عقدتها محكمة غرب مدينة صنعاء قبل يومين، أن أولياء أمور الأطفال الضحايا كانوا يأملون أن يتم تنفيذ قرار المحكمة بدفع تعويض مناسب لكل أسرة من أسر الأطفال الضحايا، حيث كانت الجلسة مخصصة لاستعراض التعويضات.
ولفت إلى أن الجلسة لم يتمخض عنها شيء من ذلك.
وقال المحامي صبرة: إنه قدم للمحكمة طلبًا لصد شركة “سيلون لابز الهندي” المتورطة في الجريمة المرتكبة بحق 21 طفلًا، مطالبًا عدالة المحكمة بإحالتها للنيابة العامة للتحقيق معها، إلا أن المليشيات رفضت رفضاً قاطعاً جعل الشركة الهندية تمتثل أمام المحكمة.
واستطرد قائلاً: "هناك مؤامرة كبيرة تجري خلف الكواليس، وأن من أدخل هذه الأدوية الملوثة وسمح لهم بذلك هم من قاموا بهذا الفعل بتعمد صارخ ومنافٍ لكل القوانين الإنسانية".
أحد أولياء الضحايا -فضل عدم ذكر اسمه خشية على حياته- قال: "لم نكن نعرف أن السلطة المخولة بإنصاف أسر الضحايا باتت متورطة مع هذه الشركة في التعامل معها واستيراد الأدوية الفاسدة التي قضت على أطفالنا المرضى بدون رحمة".
وذكر أن "كل وعودهم بتحقيق العدالة كانت أشبه بمسكن للألم ولفترة معينة، بينما تتغنى مليشيا الحوثي بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين ودفع تعويضات، وسرعان ما تلاشى كل ذلك وظهرت الحقيقة الدامغة بتورط المليشيات الحوثية في تهريب الأدوية الفاسدة لقتل أطفالنا".
طمس القضية
بات واضحاً للجميع أن المليشيا الحوثية المدعومة من إيران تتعامل باستهتار ولا مبالاة إزاء جريمة قتل أطفال اللوكيميا، وتحاول التستر على المتورّطين فيها.
وعقب الجريمة المروعة وزعت المليشيا الحوثية الضحايا على المستشفيات الأخرى لتفريق الأهالي وإحداث حالة من التشتيت لهم بهدف دفن القضية، حيث طلبت منهم السلطات الصحية في صنعاء الذهاب إلى منازلهم، وعدم إثارة القضية، في دليل واضح على محاولة إخفاء معالم الجريمة.
إحدى أمهات الضحايا -فضّلت عدم ذكر اسمها- قالت: "جئنا للمركز وطلبوا أن نشتري جرعة الدواء من خارج، لأنه غير موجود معهم، بعد ما ضربوا الحقنة لبنتي، روحنا البيت كانت تتشنج، ويغمى عليها، وتبكي من الألم، لما رجعنا المركز نقلوها مستشفى ثانٍ، وماتت في اليوم الثالث، بعد موتها توعدت السلطات بمحاسبة الجناة ودفع كامل التعويضات إلا أنها تنصلت بكل سهولة ولم تعر أولياء الأمور أي اهتمام".
وتتراوح أعمار الأطفال الضحايا ما بين 3 ـ 12 عاماً، معظمهم ترددوا لسنوات على مركز علاج اللوكيميا في مستشفى الكويت بصنعاء، وتمكنوا من النجاة والتعايش مع مرض سرطان الدم، رغم خطورته طيلة فترة تداويهم، إلى أن سقطوا ضحايا الدواء الهندي المهرب والذي جعلهم يسقطون موتى واحداً تلو الآخر وفي لحظات متقاربة دونما ذنب.
طبيب آخر في مستشفى الكويت تحدث لـ"2 ديسمبر" قائلاً: ما حدث للأطفال في المستشفى يعد جريمة مكتملة الأركان، خاصة مع غياب الرقابة الرسمية للجهات المختصة، ولم تفتح المليشيا الحوثية تحقيقاً شفافاً يؤدي إلى محاسبة المتورّطين، وما كانت هذه المحاكمة إلا شكلاً صورياً لتهدئة الرأي العام وأسر الضحايا المطالبة بتحقيق العدالة.
وأكد الطبيب وجود تكتم شديد حول المتسببين في القضية، وأن أقارب الضحايا يواجهون ضغوطاً كبيرة.
وبيّن أنه بعد الجريمة البشعة بحق الأطفال أصدرت المليشيا الحوثية قراراً بإغلاق الصيدلية "نيو فارما" التي يتعامل معها مستشفى الكويت والتي قامت ببيع هذه الجرعات إلى أسر المرضى، لكن هذا الأمر لم يستمر إلا أسبوعاً واحداً وأعيد فتحها مجدداً وعاد الشخص ذاته لإدارة الصيدلية وكأن شيئاً لم يحدث.
وقال الطبيب: هناك أموال ضخمة تتحصل عليها المليشيات من هذه الأدوية المهربة، لذا كان أمراً سهلاً إعادة فتح الصيدلية التي تسببت بمقتل 21 طفلاً.
لوبي فساد يغيّب القضية
لم تكن جريمة قتل أطفال اللوكيميا هي الأولى ولن تكون الأخيرة في مستشفيات المدن التي تخضع لسيطرة المليشيا الحوثية، إذ يتكرر وقوعها من وقتٍ لآخر ويغيب الإنصاف الواضح للأهالي رغم المناشدات المكثفة لكن الضغوطات الحوثية على الأسر تسهم في إيداع القضايا سلة الإهمال وطمس الحقيقة.
وقضية أطفال اللوكيميا مثال حي لما يعيشه القضاء من حالة تدجين مع قوة لوبي الفساد داخل بقايا مؤسسات الدولة التي تم القضاء عليها، خصوصاً مع انهيار الخدمات الطبية، وغياب كل مستويات الرعاية الصحية، وقيام مافيا الفساد باستغلال أوجاع المرضى، والتربّح من معاناتهم الشديدة خلال السنوات الأخيرة.
وهو أيضاً ما أكده المصدر الطبّي في مركز علاج لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الذي كشف عن وجود لوبي فساد داخل وزارة الصحة وقطاعاتها في صنعاء، التي تتعرض للنهب والاستغلال والمتاجرة بمعاناة المرضى.
وأكد المصدر الطبي أنه قبل سنة ضبطوا أمين صندوق الوزارة ياسر وشخصين معه، قاموا بتزوير أوامر صرف أدوية مهربة تبلغ قيمتها أكثر من 50 ألف دولار ويبيعونها للصيدليات، ما أسفر عن وفاة أكثر من 6 من مرضى السرطان وأكثر من 10 من مرضى الغسيل الكلوي بينهم نساء وأطفال، وتم غض الطرف وإحكام الصمت على هذه الجرائم من قبل المليشيا الحوثية. خاصة مع غياب دور وسائل الإعلام الحرة والمحايدة في صنعاء.
وقال، إن هذه المجموعة تمكنت من بيع كميات كبيرة من حُقن "الأنسولين"، التي يستخدمها مرضى السُكر، وكذلك عقار "الألبومين"، الخاص بمرضى الكبد، ويصل سعر الجرعة الواحدة في الصيدليات 25 ألف ريال، أي ما يعادل 45 دولاراً بسعر الصرف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
إذ تسعى المليشيا لتوريط البسطاء ممن يتعاملون معها، وذلك للتستر على نافذيها، ثم تعود في سياق متكامل لارتكاب جرائم جديدة دون رادع.
وبحسب طبيب مشرف في تخزين الأدوية في مستشفى الكويت، فإن منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية تقدم للمليشيا الحوثية وبانتظام أدوية مجانية للأمراض المستعصية، مثل أمراض: السرطان والسكري والضغط وغسيل الكلى وغيرها تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات.
ويؤكد المصد الطبي أن جزءاً كبيراً من تلك العلاجات تذهب للبيع في السوق السوداء أو يتم تخزينها حتى تتلف ثم يقومون بتعديل تاريخ الصلاحية وإعادة توزيعها للمستشفيات الحكومية، وهذا ما حدث في مستشفى الكويت.
المليشيا الحوثية تتستر على الجريمة وتمنع نشر أي معلومات عنها خاصة في ظل العلاقة القوية بين وزير صحة الحوثيين المدعو طه المتوكل ومدير مستشفى الكويت أمين الجنيد.
غياب الإنصاف
وفيما تستمر المليشيات الحوثية بدفن جميع القضايا المروعة بحق المواطنين التي تعودت على ارتكابها دون إنصاف أو محاسبة، يرى محامٍ قانوني -اشترط عدم ذكر اسمه خوفاً أن تطاله يد المليشيات الحوثية- تحدث لـ"وكالة 2 ديسمبر" في القضية الإنسانية التي هزت ضمير المجتمع اليمني، ويرى أنها مست جانباً مهماً جداً من جوانب حياة الأطفال وهو الجانب الصحي بهدم ركن من أركان بناء الدولة، حيث قضت المادة (32) من دستور الجمهورية اليمنية بأن التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية أركان أساسية لبناء المجتمع وتقدمه يسهم المجتمع مع الدولة في توفيرها.
ويقول المحامي، إن هذه القضية أصبحت قضية رأي عام محلي وإقليمي تفاعل مجلس النواب في صنعاء، غير المعترف به دولياً، مع القضية ووجه بصرف عشرة ملايين ريال لكل طفل متوفى، وخمسة ملايين ريال لكل طفل مصاب. بعد ذلك تمت متابعة مجلس النواب من قبل أقارب الأطفال ومحاميهم لصرف المبلغ وتم التوجيه بذلك لمجلس الوزراء في الحكومة غير الشرعية والذي بدوره وجه وزير الصحة ووزير المالية بصرف المبلغ، وجاء في الرد الموقع من قبل أحمد حامد مدير مكتب رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط والموجه لوزير الصحة طه المتوكل، أن توجيهات المشاط تقضي بعدم إعطاء أسر الضحايا أي تعويضات، وتم صدور قرار من قبل المحكمة بإنهاء القضية ودفنها أمام مرأى ومسمع الجميع دون أي مسوغ قانوني، أمام ذهول الجميع من هكذا قرار صادم ومخالف.
ويناشد أولياء دم الأطفال المتوفين وأولياء الأطفال المصابين، المجتمع اليمني بكل أطيافه ومكوناته بالوقوف معهم في هذه القضية الإنسانية، لأنها تمس المجتمع ككل وركن من أركان بناء الدولة، وأي تساهل في التعامل معها، كما هو حال مذكرة الكهنوتي مهدي المشاط، سيكون له تداعيات خطيرة وكارثية تنشر الجريمة المنظمة بكل أشكالها.