كل الطرق لا تؤدي إلى تعز (تقرير)
ثماني سنوات (3000) يوم من الحصار الحوثي الغاشم على تعز، وقطع للطرق الرئيسة حولت سفر المواطنين وتنقلاتهم إلى قطعة من جهنم، حيث يضطرون لسلك طرق وعرة وتحمّل مشقة مضاعفة في التنقل للوصول إلى المدينة أو الخروج منها، ومن بين تلك الطرق طريق مديرية جبل حبشي، التي تشهد اختناقات مرورية أدت إلى إعاقة حركة المسافرين من وإلى المدينة، وأثقلت كواهلهم بالمزيد من الأعباء.
يقول أحد المسافرين لـ"2 ديسمبر": "بسبب الظروف الصعبة التي نواجهها أثناء السفر من مدينة تعز إلى مدينة الحوبان، أصبح السفر مؤلمًا ومحفوفًا بالمخاطر؛ فالطرق الوعرة والمنعزلة تتطلب استخدام "الشاصات" القديمة والصوالين، بعد إغلاق المنافذ والطرق الرئيسة من قِبل مليشيا الحوثي. إضافةً إلى ذلك، تكون درجات الحرارة مرتفعة للغاية والطريق ضيقة والمرور صعبًا".
وتابع: "تُعتبر رحلة السفر داخل مدينة تعز بحد ذاتها متعبة جدًا، حيث يتعب الفرد جسديًا ونفسيًا ويعيش حالة قلق وخوف طوال فترة السفر".
وأضاف: "تعيش مدينة تعز معاناة ومأساة بسبب الحرب، وهذا يجعل كل يوم مملوءًا بالمشكلات. على سبيل المثال، يستغرق الوصول إلى الحوبان حوالي 12 ساعة في أيام العيد، حيث يبدأ السفر في الصباح الباكر ويستمر حتى المساء".
وأردف: "هذا الوضع يعكس الصعوبات التي يواجهها الناس في مدينة تعز، ويعبّر عن المآسي التي تكتنف حياتهم اليومية ومن بينها السفر الذي أصبح صعبًا ومرهقًا لهم".
من جانبها، تقول أحلام محمد "22 عامًا" طالبة إعلام في جامعة تعز لـ"2 ديسمبر": أفضِّل البقاء في المنزل بجوار إخوتي وأهلي على أن أكمل دراستي في جامعة تعز، "بمجرد التفكير في السفر من منزلي الواقع تحت سيطرة المليشيا في مدينة الحوبان، إلى مدينة تعز، يرتجف قلبي خوفًا مما قد أواجهه في الطريق من مخاطر".
وتعبّر بأسى عن مخاوفها: "الموت في المنزل أهون عليّ من السقوط في تلك المنحدرات الجبلية".
وتوضح: "الطريق البديلة ضيقة جدًا، ما إن تمشي السيارة قليلًا إلى الأمام، حتى ترجع مسافة أخرى إلى الخلف، كي تفسح للسيارة المقابلة، وهذا سبّب الكثير من الحوادث والخسائر المادية والبشرية الناجمة عن ذلك".
وأضافت: "يزداد الأمر سوءًا في موسم الأمطار، وما تسببه السيول من خراب، يفاقم الزحام للداخلين والخارجين، وتحدث مشكلات كبيرة جراء الانتظار".
تتابع: "كل يوم يتحمل المواطنون مشقة السفر في الطرقات البديلة، في ظل الحصار المطبق من قِبل مليشيا الحوثي على ما يقارب 4 ملايين شخص داخل المدينة وخارجها، ما يعتبر كارثة حقيقية بحق الإنسانية، يتطلب جهودًا أممية صادقة وعاجلة تساهم بشكل فعلي في فك الحصار عن تعز، والتخفيف عن كاهل المواطنين وطأة الحرب والحصار".
طبيعة الطريق
موفد الوكالة زار الطريق وحاول رصد طبيعتها من خلال حديث الأهالي وسائقي المركبات، حيث لاحظ أن معاناتهم تزداد يومًا بعد آخر بسبب وعورتها وطبيعتها الجيولوجية.
بصوت شاحب وملامح أعياها السفر يقول فؤاد علي، سائق مركبة أجرة: "نسافر كل يوم إلى المدينة في طرق جبلية تحفها المخاطر من كل اتجاه، وعلى متن السيارة عشرات الأشخاص، بينهم مرضى، وكبار في السن، ما يفاقم معاناتهم، ويؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية".
وأضاف لـ"2 ديسمبر": الطرق التي نسلكها في فترة الحرب طويلة جدًا، وشديدة الوعورة، وتشكل خطرًا كبيرًا على حياة آلاف المسافرين، "كل يوم نحن أمام مهمة شاقة في تحدي الموت في تلك الطرق المتعرجة، شديدة الانحدار".
يحكي فؤاد فصلًا من المأساة، قائلًا: "في الأسبوع الماضي وأنا في طريقي إلى شرعب السلام بإحدى المناطق في جبل حبشي، فقدت التحكم بعجلة القيادة، كانت ستموت ثلاث أسر بأكملها، لولا حفظ الله والجدار الساند للطريق، الذي تبرع به أحد فاعلي الخير للتخفيف من المخاطر".
حلول جزئية
أحد مشايخ جبل حبشي يتحدث لـ"2 ديسمبر": "طريق جبل حبشي تعتبر عصب حياة لنا، كونها تمد المواطنين بما يحتاجونه من مواد غذائية ودواء وغيرها، وحلقة الوصل بينهم وبين أهاليهم وذويهم، كونها تربط المدينة بالعديد من المديريات الأخرى منها هجدة، الربيعي، وشرعب السلام والرونة.. وتعتبر شريان الحياة الوحيد بالنسبة لآلاف المسافرين؛ إلا أن طبيعة الطريق المتعرجة وشديدة الانحدار تسببت بخسائر مادية كبيرة للمسافرين والعديد من الحوادث".
يضيف: نتيجة الوعورة وما عاناه المواطنون من حوادث، قام أهالي المنطقة بمبادرات مجتمعية، بالإضافة إلى المغتربين في الخارج.. تم رصف المناطق الأشد خطورة على السائقين من أعلى جبل حبشي منطقة "المنعم" وحتى السائلة المؤدية إلى "العيار"، في ظل غياب تام، وإهمال كبير من السلطة المحلية بالمحافظة.
وناشد "السلطة المحلية، والصندوق الاجتماعي للتنمية، والخلية الإنسانية، أن يمدوا يد العون للمواطنين ويخففوا من معاناتهم".
معاناة متفاقمة
وثّقت المنظمات الحقوقية قيام الحوثيين بتقييد الإمدادات الغذائية والطبية للمدنيين في تعز بين ديسمبر/ كانون الأول 2015 ويناير/ كانون الثاني 2016؛ إذ منعت المليشيا الحوثية عند نقاط التفتيش المدنيين من إدخال المواد الأساسية مثل الفاكهة، والخضراوات، وغاز الطهي، وجرعات اللقاحات، وأكياس علاج غسيل الكلى، وأسطوانات الأكسجين، وصادرت الكثير من هذه المواد بشكل غير قانوني.
يضمن "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، واليمن طرف فيه، الحق في حرية التنقل. كما أن المادة 13 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" تكفل "لكل فرد الحق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة". ويُلزم القانون الإنساني الدولي أطراف النزاع بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية المحايدة بسرعة ودون عوائق إلى المدنيين المحتاجين وتسهيل ذلك، والسماح للمدنيين في المناطق المحاصرة بالمغادرة وضمان حرية التنقل لموظفي الإغاثة الإنسانية المصرح لهم.