تتزايد الأعمال الدرامية اليمنية المُنتَجة رمضانيًا، موسمًا وراء آخر، مع تزايد عدد القنوات التلفزيونية وشركات الإنتاج في اليمن؛ إلا أن هذا الضخ الدرامي الكثيف لم يستطع تحقيق عامل الرضى لدى الجمهور الذي شعر بعضه بخيبة أمل من مجموعة الأعمال الدرامية التي عُرضت منذ بداية رمضان، وأثارت جدلًا واسعًا، كما واجهت الكثير من الانتقادات اللاذعة.
 
 يبلغ عمر الدراما اليمنية حوالي 40 عامًا، حيث بدأ أول عمل درامي في السبعينيات بمسلسل (وجه مستعار) الذي عُرض على التلفزيون الرسمي آنذاك كباكورة للأعمال الدرامية.
 ‏
وخلال الثلاث السنوات الأخيرة أُنتج 31 مسلسل (8_ 11_ 12) في الأعوام (2020_ 2021_2022)، على التوالي؛ أما هذا العام فقد عُرضت 6 مسلسلات درامية.
 
أسهمت الحرب في تزايد عدد الأعمال، إلا أنها أسدلت ظلالها على مضمون تلك الأعمال، وما زالت الدراما اليمنية تعيش أزمة الظهور ولم تستطع إقناع المشاهد اليمني بمتابعتها والرضى عنها.
 
فجوة درامية
 
"ارتفع مستوى ذائقة المشاهد اليمني، ما جعله يقارن بين الدراما الخارجية واليمنية التي ما زالت في وهلتها الأولى"، يقول محمد فاروق لوكالة "2 ديسمبر".
 
يضيف محمد، وهو ممثل ومخرج يمني، أن عدم وجود كُتاب ومخرجين متخصصين تعلموا أسس الإخراج والسيناريو في مدراس متخصصة في الخارج، هو السبب الأول لضعف مستوى الدراما في اليمن.
 
"جميع ما يقدمه صناع الدراما في اليمن محاولات لا أكثر، ففارق التعليم والخبرة بين صانعي الدراما اليمنية والدراما الأخرى أحدث فجوة درامية كبيرة أدت إلى جدل وانتقادات كثيرة"، وفق محمد.
 
المعضلة الكبيرة التي لفت لها هذا المخرج تكمن في الإنتاج، حيث من الصعب تسليم الإنتاج والميزانيات الكبيرة لكادر فني يمني غير متخصص لا يوظف هذا الإنتاج بعمل درامي مشرف.
 
معاناة الدراما اليمنية 
 
المخرج اليمني، وليد العلفي، يرى في هذا الجانب، أن جدلًا يحدث بعد عرض كل عمل درامي رمضاني، خصوصًا في الخمسة الأيام الأولى وتحدث ضجة كبيرة، حيث يعمم المشاهد اليمني رأيه في مسلسل واحد على بقية المسلسلات.
 
ويقول العلفي: "نحن نعاني من ضعف في البنية التحتية للدراما ونعاني نقص الكوادر الفنية من الميك آب، الإضاءة، الممثلين المحترفين وأيضًا نفتقر إلى معاهد المسرح والسينما..  كل ما تقدمه الشاشة اليمنية هى اجتهادات اشخاص أو مؤسسات".
 
يضيف العلفي أن الحرب والوضع السياسي أثرا بشكل كبير على الدراما اليمنية؛ نظرًا لعدم القدرة على التصوير في مناطق قد تكون ملائمة أكثر لتصوير مسلسل ما، فضلًا عن وجود موانع أخرى تحول دون القدرة على استثمار المناطق الملائمة للتصوير الدرامي دون تعقيدات.
 
ما تحتاجه الدراما اليمنية لترتقي إلى مستوى الدراما العربية، وفق العلفي، هو البيئة المناسبة ويُقصد بها الاستقرار السياسي والاقتصادي وتوجه كامل من الدولة، التكفل بالدراما اليمنية وتأهيلها، متابعًا: "لدينا من الأفكار والقصص ما تمكننا من الوصول للدراما العالمية؛ إلا أن البيئة وعدم وجود دعم لهذا القطاع يعيق ذلك".
 
الدراما حبيسة
 
المجتمع اليمني تضبطه عادات وتقاليد لا تتجرأ حتى الدراما على تجاوزها، حيث يبدأ المجتمع بمهاجمة أي مشهد جريء خرج قليلًا عن إطار العادات المتحفظة المتعارف عليها.
 
 في هذا الخصوص يقول هشام الصليحي، أستاذ مساعد في قسم الإعلام بتعز، إن الدراما اليمنية ناشئة ومن الصعب أن تنضج، والمشهد على الشاشة حبيس جملة من المتغيرات تضبطها ثقافة المجتمع وعاداته، ما يجعله في إطار المتاح والمسموح، وهذا ما يحدد أيضًا مسار الكاتب والمخرج والمنتج.
 
يرى الصليحي، أن التقنيات تطورت، ولكن ما زالت المواضيع تقليدية وظهور الممثل في أكثر من قناة وأكثر من مسلسل في شخصيات متناقضة يؤذي المشاهد.
 
ويضيف الصليحي: "رغم كل التحديات، الدراما اليمنية واعدة والتحول في ذائقة المشاهد النخبوي لا شك سيفرض حضوره في طبيعة المنتج الدرامي عما قريب".
 
المتلقي عقبة أمام صانع الدراما
 
الناقدة في مجال الدراما، هدى جعفر، ترى أن المشاهد اليمني له دور كبير في تردي وضعف الدراما اليمنية، قائلة لوكالة "2 ديسمبر": "اليمني تغلب فيه نسبة الأمية، فتكون نسبة التلقي قليلة ومحدودة وكذلك افتعال كثير من المشاكل داخل المجتمع فيحتار صانع الدراما ما الذي يرغب فيه الجمهور ويناسبه".
 
تضيف هدى أن الحرب والوضع السياسي يجعل المشاهد لا يجد نفسه في المسلسل، ويرى أن هذا العمل الدرامي لا يمثل مشاكله.
 
"بعيدًا جدًا أن تتنافس الدراما اليمنية مع الدراما العربية، ولن يتم ذلك في السنوات القليلة القادمة" وفق هدى.
 
الدراما العربية والأردنية
 
تحرز الأعمال المصرية والسورية تقدمًا كبيرًا في مجال السينما ومن الصعب جدًا أن تنافسها الدراما اليمنية، كما يقول أغلب النقاد والخبراء.
 
تفيد المخرجة الأردنية، فداء عواد "2 ديسمبر" بأن ما يجعل الدراما اليمنية لا تبارح مكانها، هو تمسكهم بالمتعارف عليه والتقاليد، بالإضافة إلى عدم إعطاء الفرص الكافية للمخرجين الشباب والجيل الجديد.
 
ومما يعيق تطور الدراما اليمنية ويحول دون خروجها عن المألوف، وفق عواد، "تعاقد نفس القنوات مع نفس الفنانين والمخرجين وتسليم الانتاج إلى نفس الأيادي سنويًا".
 
تضيف فداء التي ساعدت في إخراج مسلسل أرزاق، أن معظم المنتجين أصبحوا يتجهون للأعمال التجارية البحتة دون النظر إلى الجانب الفني، وعدم الاهتمام بالتفاصيل مثل الملابس والديكور والاكسسوارات ووضع الممثل المناسب بالدور المناسب.
 
نقطة تحول
 
بالرغم من جميع الانتقادات والاستياء الجماهيري تجاه الأعمال الدرامية، إلا أن هناك أكثر من شاهد على وجود نقطة تحول في الدراما، والتطور النسبي في صناعة هذا القطاع.
 
يقول محمد القرشي: "نشهد تطورًا كبيرًا في عالم المسلسلات اليمنية؛ من دقة التصوير وعظمة الإخراج، وجوه جديدة، ويسعون إلى ترفيه المشاهد البسيط ومناقشة قضاياه".
 
ويجد القرشي، وهو مشاهد نخبوي وطالب إعلام، أن الدراما بدأت تتجه نحو الحبكات الثقيلة التي تجعل المشاهد يتمعن بكل التفاصيل الموجودة خلف السيناريو الظاهر والمنطوق.
 
 ويرى أن الدراما اليمنية تعمدت تغيير الواقع بواسطة مشاهد بسيطة، وقد تبنت قناة العربي 2 مسلسل العالية، الذي يُعد أول مسلسل يمني يعرض على شاشة عربية، ما أدى إلى زيادة جمهوره وهذا يدل على اتجاه الدراما إلى النجاح وتحسنها، فحظيت بإشادة وإعجاب كثيرين. 
 
لم تجد الدراما اليمنية منذُ نشأتها حاضنة ثقافية أو جهة ترعاها ولم يتلقَّ هذا القطاع أي دعم مادي كافٍ، حيث نشأت في أحضان التلفزيون الحكومي والإنتاج الموسمي واجتهادات الأشخاص ناهيك عن غياب تأهيل الكادر الفني المتخصص وغياب النقد والتقييم الحقيقي، بالإضافة إلى الصراع السياسي والحروب، رغم ذلك، اليمن تحاول ألا تسجل غيابها الكامل في عالم الدراما المحلي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية