منذ أكتوبر العام الماضي وحتى اليوم لا يتذكر محسن الكثيري -وهذا ليس اسمه الحقيقي- أي شيء يتعلق بظروف اعتقاله لقد كانت عمليات التعذيب التي تعرض لها بشعة وتنبئ عن مدى القسوة التي تتسم بها مليشيات الحوثي تجاه المدنيين.

 

يقول أحد أفراد أسرته في حديث مقتضب لمحرر الشؤون الإنسانية بـ "وكالة 2 ديسمبر" إن الكثيري وهو محامٍ من مدينة حضرموت يعيش في صنعاء منذ عام 1990، اقتيد تحت جنح الظلام بعد أن داهمت قوة عسكرية منزله وقامت بجلبه إلى سجن سري لا يعلم عنه أحد.

 

لقد كانت عملية اختطاف قسرية غطيت خلالها عيناه بقطعة قماش سميكة حتى لا يعلم بالمكان الذي سيتم نقله إليه، فيما المحققون في المعتقل لا يخبرونه بأي شيء عدا أسئلة محددة كانت توجه إليه باستمرار في وقت كان جنديا آخر يوجه له الضربات بعقب سلاحه الشخصي لإرغامه على الاعتراف بالتهم الموجهة له.

 

يضيف بحذر خشية أن يؤدي الإفصاح عن هويته الكاملة إلى تعرضه للانتقام من عناصر مليشيات الحوثي، بعد أربعة أشهر من الاختطاف تلقينا اتصالا هاتفيا ذات مساء كانت خلاصته " إذا أردتم عودة الكثيري فيجب الحضور للتوقيع على تعهدات تضمن عدم ممارسته لأنشطة معادية مرة أخرى".

 

حدد لنا المكان الذي نلتقي فيه وهو الأمن القومي، وهناك قابلنا ضابطاً أخذنا إلى الطابق الثاني من المبنى وبعد دقائق أدخل علينا رجلا نحيلا يبدو بصورة مزرية لم نتمكن من التعرف عليه ساعتها.

 

لقد بدا هزيلا وفقد جزءا كبيرا من وزنه ويبدو عليه آثار المرض وبالكاد يستطيع السير، بل في الحقيقة لقد كان أحد أفراد الحراسة يساعده على ذلك.

 

كانت آثار احمرار وكدمات تظهر بوضوح على وجهه فيما كان جسده النحيل يحمل آثار تعذيب عنيفة ووحشية، إنها ببساطة تعبر عن الهبوط الأخلاقي للجماعة الإرهابية تجاه الأبرياء.

 

وقعنا على التعهد كما يقول قريبا له وكتبنا عناوين مساكننا وأرقام هواتفنا النقالة، ثم أخذناه إلى مستشفى يديره القطاع الخاص بصورة سرية، وهناك قام الطبيب المناوب بالكشف عنه.

 

وبعد نحو ساعة من الفحص السريري والكشف الإكلينيكي أبلغنا الطبيب أنه فاقد للذاكرة تماما بسبب العنف الجسدي الفظيع الذي تعرض له.

 

وبحسب الطبيب المعالج فقد تعرض للضرب في مؤخرة رأسه أثناء التحقيق، مما كان يدخله في غيبوبة مؤقته، ولكي يستعيد وعيه كان المحققون يوجهون له ضربة أخرى في الرأس وهو ما جعله في حالة نفسية سيئة أدت إلى فقدانه للذاكرة بشكل جزئي.

 

يضيف نقلا عن الطبيب إن الضرب على الرأس يجعل الدماغ يرتطم بالجمجمة مما يحدث ضررا مميتا في أسوأ الحالات، وفي أحسنها يحدث له تليوفات في القشرة الدماغية، وفي بعضها يصاب بكسور طفيفة بالجمجمة يحتاج المريض إلى أشهر عدة للتعافي من أثرها.

 

وبالرغم من تطمينات الطبيب باستعادة قواه العقلية كاملة عما قريب بعد تناوله للأدوية اللازمة، إلا أن التخلص من حالته النفسية الناجمة عن ظروف الاعتقال القاسية لن تكون ممكنة على المدى القريب.

 

بالطبع سيحتاج إلى فترة علاج للتخلص من العاهة التي أصيب بها، لكنه سيحتاج أيضا إلى وقت أطول لإعادة تأهيله نفسيا من أجل تجاوز المحنة القاسية التي مر بها.

 

أما الكلفة المالية ستكون حتما باهظة للتخلص من الآثار التي لحقت به جراء الاعتقال الظالم في زمن المليشيات المتوحش الذي يحول الناس من شخصيات اعتبارية مهمة في المجتمع إلى عالة عليه.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية