عبدالله الحضرمي يكتب لـ " 2 ديسمبر ": الحوثيون في جبهة (الرحم)
لو قُيض لجماعة الحوثي أن تقتحم أرحام النساء لتلقين الأجنة ثقافة الموت، لفعلت دون تردد ودون خجل.
السبب الرئيسي لايتعلق فقط برغبتها في اقتحام الخصوصيات؛ بل أيضاً في تجهيز سلاسل الإمداد العسكري وأفواج المقاتلين المشوهين فكرياً وعقلياً وعقائدياً، والجاهزين بالموالاة لإله المقابر و(الاستشهاد)؛ بل ولأن نموذجها مصمم لاقتحام كل خصوصية إنسانية مغلقة، كالبيوت والعقول والغرف والأسرار الزوجية والتأثير في الأرحام والخصي، حتى أنها تشتغل على مشروعها الوحشي في كل شيء، ومن ذلك أنها تعمل على تحضير وتجهيز المقاتل في البويضة والحيوان المنوي، هذه الشراسة المتوحشة تتجلى من خلال سلاسل الزواج الجماعي للمقاتلين التابعين للجماعة كسبيل لتحويل الزواج إلى ماكنة إنتاج لتغطية سوق الموت لا كمؤسسة معنية بالتكاثر البشري وبناء الأسرة.
هذا النموذج قائم، في ركيزته الأساسية، على صناعة مجتمع منزوع الطموح والخيال والعمل والإنتاج والبناء والتنمية، مجتمع مصمم على عبادة (السيد) من دون الله، كاره للحياة وللبشر والطبيعة. ولهذا؛ نراها تهتم بتنمية المقابر وبنائها وإحاطتها بأبّهة من الأغاني والزوامل والصور وشواهد القبر والعشب والسور حتى تبدو وكأنها مدن براقة تغري العقول البائسة على السُّكنى، وهي في نفس الوقت تشن حرباً شعواء على الحريات والتنمية وأناقة الملبس والرفاهية والاختلاط والحب والغزل والفن.
تعاني الحوثية في مشروعها من ثورة المعلومات ومنافسة سوق التواصل الاجتماعي الذي ينافس فكرة التضليل بالحقيقة والعلم، وينافس فكرة المقبرة بفكرة الحب والحياة.
معظم المقاتلين الذين صنعتهم خلال الموجات السابقة من الحرب، يستقرون الآن؛ إما في المقابر وإما في البيوت معوقين وعجزة لا يجدون سبيلاً لتوفير قوتهم وقوت أبنائهم، وقد تخلت عنهم تماماً وأصبحوا عالة على مجتمعاتهم الصغيرة وأصدقائهم والمتصدقين عليهم، ولا يمكنهم أن يعيشوا في مأمن اجتماعي وضمانات حياتية، ولا يمكنهم التخطيط لمستقبلهم ومستقبل أطفالهم.
وهذا الواقع يمكن أن يستمر لعدة سنوات مقبلة.. أي لسنوات تكفي لكل طامح إلى أن يفعل شيئين فقط، ويحاول في الثالث؛ ليضمن لنفسه مكاناً في مجتمع مزدهر. وهذا غير متوافر في مناطق حكم المليشيات.
الشيئان هما: أن يتقن مهنة من مهن المهارات الفردية غير القتل، وخاصة تلك التي توفرها المعاهد المهنية على مختلف أنواعها. وهذه غير متوافرة؛ لأن المليشيات لا تكترث لهذه المهن، وإذا فكرت بشيء من الأعمال إنما تفكر في الزراعة؛ الزراعة في بلد يعاني شح المياه أصلاً بسبب استنزاف المياه الجوفية، تبدو بديلاً عصياً على تلبية الحال بالنسبة لمن فقد وظيفة القتل التي لا يجيد غيرها.
هذا الانسداد مزدوج بالطبع، فكما أنه انسداد على المحاربين القدامى لجماعة الحوثي، فهو أيضاً انسداد على الجماعة التي تبحث عن مقاتلين لا يتأثرون بموجة الحياة الطبيعية حتى حُملت على اتخاذ الأرحام معسكرات تأهيل للموت.