إن التفكير العاطفي بلقاء أفراد أسرتك بعد فترة انقطاع طويلة قد تكون غلطة غير محسوبة العواقب، يدفع مرتكبها ثمنا باهظا يمتد لأشهر عدة في سجون المليشيات كما هو حال الصحفي (ي.س).

 

يقول (ي.س) في رواية تعكس الواقع المزري لحادثة اعتقاله، "لم أكن أعلم بأن لحظة غباء قصيرة ستكلفني 7 أشهر في واحد من أسوأ سجون القرن الواحد والعشرين، كان ذلك في شهر أكتوبر من العام 2017م".

 

استخدم (ي.س) كل وسائل التمويه لتغيير هيئته، واستخراج بطاقة شخصية مزورة باسم شخص آخر علها تجنبه الوقوع في قبضة المليشيات التي تترقب عودته بشغف، لكن كل ذلك لم يتح له سوى لقاء قصير بأفراد عائلته في منزله بصنعاء لم يزد على نصف ساعة من الوقت.

 

"كانت لحظات عامرة بالسعادة أن تلتقي بأطفالك بعد فترة انقطاع طويلة حسب وصفه" لكن هذه السعادة التي لم تشأ لها مليشيات الحوثي أن تستمر فسرعان ما بددتها الجلبة التي أحدثتها الأطقم العسكرية الثلاثة والمسلحون الذين حاصروا منزله من كل الجوانب.

 

أطلق المشرف الحوثي نداء يطالبه بتسليم نفسه في نبرة حادة تنم عن جدية مفرطة في القسوة سرعان ما استسلم لها بعد أن تأكد له انعدام جميع فرص النجاة منهم.

 

سلم (ي.س) نفسه واقتيد إلى قسم شرطة علاية ومنها تم نقله إلى الأمن السياسي وهو جهاز أمن سري سيئ الصيت حولته مليشيات الحوثي إلى مبنى للاعتقال ومركز للتعذيب، بل لقد بات عنوانا لكل الجرائم التي تمارسها المليشيات بحق المختطفين.

 

وهناك قضى (ي.س) سبعة أشهر عاش خلالها كل ما كان يظنه مبالغا فيه في الأفلام الخيالية، حسب قوله.

 

يضيف في أحدث شهادة حية عن الجرائم المروعة التي ترتكبها مليشيات الحوثي بحق المواطنين لـ "وكالة 2 ديسمبر"، "هناك تنتزع المعلومة منك كما ينتزع المسمار الصدئ من الخشبة المهملة، إنها لحظات صعبة لا يصمد أحد في تلك الغرفة التي يسمونها الورشة".

 

ويؤكد (ي.س) "أن المعتقل يقول كل شيء يعرفه وكل شيء يريدون سماعه منه ليتوقفوا عن تعذيبه حتى لو لم يحدث هذا الشيء بتاتا بل إنه يخترع ما يظنون أنك تخفيه للنجاة من العقاب الجسدي".

 

ظروف احتجاز غير إنسانية

 في بدروم أرضي ضيق بالأمن السياسي منعدم التهوية مكث (ي.س) في زنزانة ضمن 9 زنزانات انفرادية وفي نهايتها زنزانة جماعية تتسع لـ 15 سجينا، لكنها كانت تضم أكثر من 30 سجينا يتقاسمون فيها العذاب اليومي.

 

أما دورات المياه فقد كانت في الطرف الآخر من الممر وهي عبارة عن 3 حمامات تغلق أبوابها من الخارج ويسمح للمعتقل بالخروج إليها 3 مرات في اليوم وكل مرة لا تزيد مدتها على 5 دقائق.

 

وفي حال مخالفة السجين ذلك يقوم السجان بإخراجه منها سحلا وبلا ملابس فيما يتلقى جسمه عشرات الضربات التي لا تتوقف سوى بوصوله إلى محبسه الانفرادي.

 

الطعام المقدم للسجين ردي للغاية وكثيرا ما يتسبب في حدوث تسمم غذائي، حيث تسجل أروقة المعتقل ثلاث إصابات تسمم أسبوعيا.

 

وعند الإصابة بالإسهال، يمنع المريض من ارتياد الحمام وفي حال نادى السجين على المستلم للمساعدة فإنه يأتي فقط لمعاقبته لذا لا يوجد خيار أمام المرضى سوى استخدام الأكياس الحرارية لقضاء الحاجة.

 

مياه شرب غير نظيفة

أما مياه الشرب النظيفة فهي منعدمة تماما وعوضاً عن ذلك يستخدم السجناء مياه صنابير الحمامات والتي عادة ما تكون صفراء اللون ومتسخة ولها رائحة كريهة، تجعل كل 3 سجناء يصابون بمغص كلوي كل أسبوع.

 

هنا لا يجد المصاب العناية الطبية بل كلمات نابية وشتائم جارحة من مشرفي السجن مقابل صراخ مصحوب بألم لا يتوقف.

 

يقول (ي.س) "عندما يعاود المرضى صراخهم الناجم عن آلامهم يأتيهم رد السجان (مال.....؟) وعندما يسمع أحدهم يقول "مريض يا فندم" يأتي رد السجان أيضا قاسيا (موت يلعن ....)".

 

يختتم (ي.س) حديثه بواقعة مؤلمة "عندما عجز أحدهم عن تحمل شدة الألم توفي بعد أن ظل عشرة أيام يصارع آلامه وأظنه كان انسدادا معويا، لأنه كان يستفرغ كل شيء من فمه ولا يستطيع الأكل أو التبرز حتى فارق الحياة ومات دون أن يلتفت أحد لمعاناته.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية