تشهد العملية التعليمية في صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية ومؤسساتها ومناهجها الدراسية انتهاكات مستمرة على يد عصابة الحوثي الكهنوتية، فمنذ أن وطأت أقدام هذه العصابة الصروح التعليمية بدت ملامح التعليم تتلاشى ومعالم الجهل والتخلف يتفشى في المجتمع المكبوح تحت سلطتها القمعية.

 

ويمر التعليم في اليمن بأسوأ حالاته جراء سيطرة عصابة الحوثي منذ 21 سبتمبر 2014م، على مفاصل الدولة وأهمها مؤسسات التعليم، وفيها تلاشت كل مظاهر الحياة وتمدد الخراب في كل القطاعات وأصابها الشلل التام.

 

 فاستمرار ممارسات عصابة الحوثي وانتهاكه للمؤسسات التعليمية يدفعها إلى التوقف بشكل نهائي، وفق ما تشير إليه الإحصائيات والأرقام التي تتحدث عنها تقارير المنظمات المحلية والدولية أبرزها الدمار الذي طال المؤسسات التعليمية وقيام عصابة الحوثي بتحويل عدد منها إلى ثكنات عسكرية، إضافة إلى تجنيد الأطفال.

 

مليونا طالب وطالبة في شباك الجهل والتخلف..

لم يكن تأثير الدمار الذي استهدف المؤسسات التعليمية والمدارس في معظم محافظات البلاد وحده المدمر للعملية التعليمية، فالانتهاكات والممارسات الإجرامية والتخريبية على مؤسسات الدولة برمتها من قبل الحوثيين أسفرت عن تصدعات واختلالات في كل مناحي الحياة سواء أكانت إنسانية أو اقتصادية أو حقوقية، وكان لذلك أيضا أثر بالغ على مسيرة التعليم وديمومتها.

 

مدير مكتب اليونيسف الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خيرت كابالاري، تحدث في مؤتمر صحفي عن تفاقم أزمة التعليم في اليمن، واصفا الثلاث سنوات من الحرب وتحت سلطة الحوثيين في عدد من المحافظات اليمنية بأنها "أحد أسوأ الأزمات الإنسانية التي عرفها العالم على الإطلاق."

 

ومع استمرار فشل الحوثيين في معالجة أكبر أزمة تواجههم، لا تلوح في الأفق أية مؤشرات في انفراج الاضطراب الحاصل بالعملية التعليمية، وتضاعف المخاطر على مئات الآلاف من الطلاب الذين يسعى الحوثيون إلى إفشال تعليمهم من أجل الزج بهم في جبهات القتال والشروع في عمليات تجنيد غير قانونية.

 

وكما أوضح السيد كابلاري، بأنه يوجد اليوم نحو (مليوني) فتى وفتاة لا يمكنهم الذهاب إلى المدرسة، فقد دمرت الحرب العبثية التي أشعلها الحوثيون 2500 مرسة، فضلاً عن ذلك، تستخدم المليشيات العديد من المدارس لأغراض عسكرية.

وبحسب تقرير أصدره مركز الدراسات والإعلام التربوي "منظمة يمنية غير حكومية" فإن 78% من المدارس المغلقة تعرضت لأضرار كلية وجزئية نتيجة الحرب التي أشعلتها عصابة الحوثي فيما احتلت عسكريا 22 في المائة منها.
تأتي هذه الإحصائية بعد مرور عامين ونصف من الدمار الذي ألحقه الحوثيون في عموم البلاد.

 

 

الفقر يمنع حوالي (3) ملايين طفل من التعليم..

اعتمد الحوثيون وقوداً من نوع خاص وقوي وفعال لإدارة وتشغيل مشروعه الطائفي، تمثل في جهل الناس وفقرهم وخصوصاً صغار السن، اليوم وبعد سيطرتهم على السلطة، من المؤكد أنهم ينمون نقاط ومكامن قوتهم، فركزوا باستماته للحصول والسيطرة على منابع النشء والشباب والمال والإعلام والسلاح، لنقل الجهل والفوضى إلى كل مدن اليمن.

 

فقد أدى انتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع نسبة المخاطر في كثير من المدن القابع سكانها تحت سلطة الحوثيين وتردي الوضع المعيشي للأهالي إلى تراجع الالتحاق بالتعليم بنسبة 18% هذا العام مقارنة بالعام السابق، حيث وصل عدد الأطفال خارج المدرسة منذ بداية الحرب وتفجير الحوثيين للصراع الدامي بعد إسقاطها للدولة والسيطرة على الحكم بقوة السلاح، وحتى الآن إلى 2.3 مليون طفل في سن التعليم العام، حسب إحصائيات وتقارير منظمات محلية غير حكومية.

 

إن الفقر الشديد الذي ألحقه الحوثيون بحربهم ونهبهم لموارد الدولة واقتصادها، سبب مهم جدا وراء عدم استفادة نصف مليون طفل إضافي من التعليم، كما أشار السيد كابالاري في حديثه، إلى أنه اليوم يوجد ما يقارب 80 في المائة من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر.

ولأن الجهل أداتهم الفاعلة للسيطرة على المجتمع، سيديرون دفة الجهل والتجهيل عبر ضرب أساسات التعليم والتنشئة والتقويم والتثقيف والتدريب والتأهيل، وتسهيل الغش بخطط مُحكمة ومدروسة، لضمان خروج جيل عاجز وجاهل وفاشل ومتخلف، وبالتالي سهولة توجيهه واقتياده إلى مجاهل العبث والتخلف والتخريب.

 

 

انتهاكات عصابة الحوثي للصرح التعليمي..

في العام الماضي سُجل أعلى معدل في حوادث الاعتداء التي مارسها الحوثيون على المدارس أثناء الدوام الرسمي، حيث تم تسجيل 279 جريمة وانتهاكا حوثيا في مجال التعليم خلال عام واحد فقط، منها 32 حالة اعتداء على مدارس في مختلف المحافظات القابعة تحت سيطرتها، تنوعت بين القصف المدفعي وتحويل عدد منها إلى ثكنات عسكرية وأخرى مخازن لتكديس السلاح المستهدف من قبل طيران التحالف مما جعل المدارس أهدافاً عسكرية كما هو الحال في الاعتداء المسلح، وتم تسجيل 16 حادثة قتل لأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة.

 

إلى ذلك تم رصد (29) اعتداء نفذه مسلحو الحوثي على طلاب المدارس فرديا وجماعيا داخل مدارسهم وخارجها، كما تم توثيق (10) جرائم قتل وشروع بالقتل وتسبب فيه، ومن ذلك جريمة تجنيد الطلاب وعودة العشرات منهم بين قتيل وجريح، كما أظهرت تقارير محلية وأخرى خارجية ونقلا عن بعض مصادرهم وصور قتلاهم.

 

لم تقتصر الانتهاكات والجرائم الحوثية بحق التعليم إلى هذا الحد من الاعتداءات سواء الجسدية أو الاختطاف أو تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية فحسب، بل طالت انتهاكاتهم أياديهم الإجرامية إلى المناهج وتغيرها بما يتناسب مع أيديولوجيتهم المستسقاة من إيران وحزب الله وغرسها في عقول الجيل الجديد الذي بالكاد يستطيع الحصول على مدرسة لم تطلها أيادي عصابة الحوثي وتحويلها إلى ثكنة عسكرية أو مخازن سلاح.

إلى ذلك حصد المعلمون التربويون نصيبهم من هذه الانتهاكات والممارسات الإجرامية من قطع رواتبهم واعتقالهم والاعتداء عليهم جسدياً، وفصلهم من وظائفهم الحكومية.

 

استهداف المناهج التعليمية..

ولأن مشروع الحوثيين طائفي، فقد ركزت أيضاً على جوهر قطاع التعليم المتمثل بالكتاب المدرسي، الذي يتجهون لإجراء تعديلات عليه بما يتوافق مع الفكر الخميني ويحرصون على نشره في المدارس والمساجد وكل مكان متاح من خلال ملازم - منشورات شبيهة بالكتب - لمؤسس المليشيا حسين الحوثي.

 

وتعززت المساعي الحوثية من خلال تعيين يحيى الحوثي شقيق قائد المليشيا وزيراً للتعليم في حكومة صنعاء الخاضعة لهم، حيث إنه لا يحمل أي مؤهل علمي سوى أنه درس على يد والده بدر الدين الحوثي، كما يفرض الحوثيون الصرخة الخمينية في المدارس على غرار المساجد إلا أنهم يواجهون صعوبة، بسبب رفض الشعب اليمني هذه الثقافة التي تتعارض مع ثقافة الوسطية الإسلامية التي يلتزم بها اليمنيون.

 

كما يواجه التعليم في اليمن مشكلات أخرى تتعلق بالكتاب المدرسي، وصعوبة الحصول عليه وخاصة في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، حيث أكد بيان أصدرته وزارة التربية والتعليم الخاضعة للعصابة الحوثية سابقاً بالعاصمة صنعاء أن السنة الدراسية الجديدة تحل على الطلاب دون توافر الكتاب المدرسي. وذكر البيان أن الكتب في مخازن الوزارة لم تعد كافية، بسبب تلفها ونهبها وبيعها في الأسواق، خلال الثلاثة الأعوام الماضية.

 

فرض جبايات على الطلبة تحت مسمى المجهود الحربي..

وكما دشنت عصابة الحوثي زيارات مكثفة إلى المدارس بمعية مسئولين في الوزارات وتربويين لجباية أموال من الطلاب مباشرة تحت مسمى "دعم المجهود الحربي"، وفيما تم رصد (27) نزولا إلى المدارس لجمع التبرعات فقد حصل مركز الدراسات والإعلام التربوي على وثائق تؤكد صدور توجيهات من مكتب التربية والتعليم موجها إلى المناطق التعليمية ومدراء المدارس يلزمهم بضرورة جمع التبرعات لصالح ما سمي بالمجهود الحربي، وذلك يعني أن 27 حالة ليست إلا جزءاً مما تم رصده من نزول، أما عملية جباية الأموال فإنها بعدد مدارس وطلاب العاصمة صنعاء.

 

إن الواقع الذي أفرزته عصابة الحوثي الكهنوتية بكل أبعاده وتعقيداته الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية أصبح وضعا طارداً للتعليم..

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية