تحت طائلة الفقر والجوع والعبودية.. أرصفة وشوارع صنعاء تفيض بآلاف المتسولين (تقرير)
أمام المحال التجارية والمطاعم ومقاصف تقديم الوجبات الخفيفة في العاصمة المختطفة صنعاء، أكثر ما يلفت أنظار الزبائن وعابري الطريق، مشاهد الأعداد الكبيرة للمتسولين، الذين قذفت بهم الحاجة إلى أرصفة "المهانة" بحثًا عما يسدون به رمق جوع أطفالهم.
في شارع الزبيري، لا تدفعك تلك المشاهد سوى للشعور بالأسى والحسرة على الوضع الذي أصبح عليه حال الناس، إنها لعنة المليشيا التي حلت بهم؛ فبعد أن قطعت مرتباتهم ومنعت فرص العمل وحاربتهم في مصدر عيشهم، لم تجد تلك الأسر المتعففة سوى التسول هربًا من مخاطر الموت جوعًا.
وتتضاعف أعداد المتسولين الذين توزعوا على شوارع المدينة، منذ أن سيطرت المليشيا المدعومة إيرانيًا على العاصمة المختطفة بأعداد كبيرة، وهناك تقديرات تشير إلى أن ما يربو على 30 ألف متسول ينتشرون في شوارع العاصمة الرازحة تحت قبضة المليشيا.
بنبرة حزينة، يقول التربوي "أحمد. ن"، نتحفظ عن ذكر اسمه لتجنب تعرضه للاعتقال: "في أيامنا هذه لم يعُد التسول على شريحة معينة من المجتمع، بل التحق بهذه المهنة مختلف الفئات الاجتماعية، بعدما قطعت مليشيا الحوثي المرتبات الحكومية، ولم يجدوا ما يمكنهم فعله لتحمل تكاليف معيشة أسرتهم سوى النزول إلى الشوارع واستجداء الناس".
يضيف ناجي: "كانت مهنة التسول الخيار الأخير الذي لجأ إليه كثير من الناس في صنعاء، بعد أن غابت كل الوسائل المتاحة للحصول على فرصة عمل، في ظل حكم مليشيا إرهابية، لا تكترث لحياة المواطنين في مناطق سيطرتها".
ويؤكد أن الأعداد الكبيرة للمتسولين هي نتيجة واضحة لعدم قيام المليشيا الكهنوتية بتقديم أي رعاية أو اهتمام بالمواطنين، إنما كانت مساعيها تنصب حول كيفية تحصيل الجبايات والتضييق على معيشة الأسر بحرمانها من مصادر الدخل.
يضيف: وفوق كل هذا أصدرت المليشيا ما تسميها مدونة السلوك الوظيفي.. وهي مدونة العبودية، وبالتالي فهذه المليشيا لم تكتفِ بتجويعنا والدفع بنا إلى التسول؛ بل وتريدنا الإقرار بأننا عبيد!".
سياسة التجويع هي إحدى وسائل الحرب التي تشنها المليشيا ضد الشعب، بحسب سعيد حارث، الذي يرى أن مليشيا الحوثي لا تعتاش إلا عن طريق إخضاع الناس، وفرض سياسة التجويع، للوصول بالمواطنين إلى مرحلة لا يقدرون على انتزاع حقوقهم بعد أن يكونوا قد وصلوا إلى أقصى حدود الإنهاك.
ويصف حارث في حديثه لـ"2 ديسمبر" عن هول الحال الذي أصبحت عليه صنعاء المختطفة، اليوم، بالقول: "ما يخيفني حقًا من الوضع الراهن في ظل انتشار ظاهرة التسول في صنعاء، هو غياب الحس الوطني والإنساني المطالب بمعالجة هذه الظاهرة؛ إذ أصبح العقل السياسي لا يستطيع التقاطها، فيما الرأي العام مكبل بالخوف ولا يستطيع التعبير عن معاناة الناس، خشية بطش المليشيا الكهنوتية.
ويرى أن الوضع الحالي هو أحد نتائج سموم المليشيا الكهنوتية التي غدت تتلذذ بمعاناة الناس، فيما تركز في كل خطاباتها عن واقع منفصل عن الواقع المعاش، الأمر الذي سيؤدي لكارثة كبيرة تهدد حياة الأهالي.
ويشير إلى أن مساعي المليشيا في تجويع المواطنين، جعل الأطفال والنساء والشباب يعتمدون على التسول لملء بطونهم الفارغة بالطعام، وكان ذلك الخيار الأخير قبل الموت جوعًا.
والهدف من تحويل الناس إلى مجموعة من الجوعى الذين يشبعون بطونهم عبر التسول، بحسب حارث، هو إغلاق كافة منافذ الحياة أمامهم مع إبقاء نافذة واحدة فقط هي الذهاب إلى محارق الموت للحصول على الطعام، وبذلك حصلت المليشيا الإرهابية على مقاتلين في صفوفها بدون أجور، وكل ما تقدمه لهم هو الطعام فقط، فقط، للموت في سبيل أن يحيا القاتل المتدثر بعباءة الدين.
ومنذ سيطرة المليشيا على العاصمة، تعددت وسائلها في قتل وامتهان كرامة المواطنين؛ بين الاستقطاب للقتال في صفوفها وحرمانهم من مرتباتهم الحكومية وإغلاق فرص العمل، ومحاربة رأس المال الوطني، وفرض الجبايات، وصولًا إلى فرض القوانين التي تحط من قدرهم وكرامتهم، وحرمانهم من كل حقوقهم.
كما سعت إلى تعطيل مؤسسات الدولة ومحاربة عمل المنظمات الإنسانية، ومنعها من تقديم المساعدات للفقراء، ونهب أي معونات مخصصة للأسر الفقيرة، حتى يصبحوا وسيلة سهلة وطيعة تتحكم بهم من نافذة الطعام.