على مدى السنوات الماضية، حاول زعيم المليشيا الإرهابية المدعو عبدالملك الحوثي في خطاباته ومحاضراته المملة، التركيز على التأثير في المخيلة الجمعية لليمنيين، ورفد الخيال الشعبي بأفكار نمطية خاصة تتسق مع مشروعه وأهدافه كليًا؛ ولطالما ظل يعزف على وتر "المظلومية" لإدهاش الناس وجذبهم إلى مشروعه الطائفي؛ لكن الحصيلة الناتجة في النهاية جاءت مباغتة وصاعقة للمليشيا.
 
محاولات التطييف الطوعي للمجتمع وأدلجته بمرونة لم تحقق نفعًا كما كانت تتصوّر المليشيا، وهذا ما يفسر لجوءها لتمهيد أرضية جديدة بأسلوب قاسر لفرض منهجية أخرى في التفكير والقناعات يتم تشييدها بطريقة القوة القاهرة، لجعل الإنسان في مناطق سيطرة المليشيا مجرد جاهل فاقد للذات والاستقلالية يُسَخّر لخدمة جماعة إرهابية تزعم أنها طبقة مغلقة لها امتيازات إلهية، بينما زعيمها يفرض نفسه كإله أو ممثل للإله برداء طائفي يعتقد أنه يجعله بمنأى عن المناقشة والأخذ والرد.
 
آخر ما توصلت إليه مليشيا الحوثي لغرض الاستبداد والقمع، ما سمي "مدونة السلوك الوظيفي" التي جاءت من 36 صفحة تضمنت 6 فصول، كل ما ورد فيها صيغ بالمخيلة الضيقة المحصورة في إطار المشروع الحوثي، وانبثق من أساس طائفي صرف، أزاح القوانين المنظمة للوظيفة العامة واستبدل إطارها المرجعي بـما تسميه "عهد الإمام علي لمالك الأشتر، دروس ومحاضرات من هدي القرآن، خطابات ومحاضرات عبدالملك الحوثي"!.
 
وما هو صادم في المدونة الحوثية إلى جانب اعتبارها "وثيقة إرشادية ملزمة"، أنها تحوّل الوظيفة العامة من نشاط منظم بالدستور والقانون إلى "وظيفة تعبدية" محكومة بالترهات ورواسب الماضي، والتصورات الطائفية الناقمة، وجعلها أداة ضغط على الموظفين لابتزازهم فيها من خلال أفكار طارئة وعابرة تشكلت تحت تأثير اللحظة والآنية لبلوغ أهداف محاطة بالنزعة الدموية.
 
تنص الوثيقة الحوثية على أن المدونة "منبثقة من الهوية الإيمانية" كما ورد في بند التعريف بالفصل الأول، في حين أن نطاقها يسري مُلزِمًا على مختلف موظفي الدولة ويشترط فيها على الموظف "الالتزام بالولاية"، و"الاشتراك بفعالية في أنشطة التعبئة العامة"، و"التفاعل الجاد مع الدورات الثقافية"، طبقًا لبند "نطاق المسؤوليات الشخصية للموظفين" الوارد في الصفحة 21.
 
وفي سياق الدهشة والاستغراب، تساءل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي: هل الموظفين الذين تسري عليهم هذه الالتزامات، هم أنفسهم الذين تنهب المليشيا الحوثية رواتبهم؟! علاوة على ذلك، تضمنت الوثيقة بندًا صادمًا "يمنع على الموظف الجمع بين وظيفته الحكومية وممارسة أي مهنة أخرى"، وهو بمثابة حكم بالإعدام على الموظفين الذين التجأوا لمزاولة مهن مختلفة لتدبر معيشتهم باعتبارهم يؤدون وظائفهم الحكومية دون رواتب.
 
وكان العميد صادق دويد، الناطق الرسمي باسم المقاومة الوطنية، قال في هذا الصدد: "من ملازم العنصرية إلى التعديلات الطائفية القذرة في المناهج، مرورًا بدورات تجهيل العقول، وليس انتهاء بمدونة السلوك الوظيفي؛ عبدالملك الحوثي يقدم الدليل بعد الدليل على بشاعته وسوء نيته تجاه اليمن التي يحاول محوها بهويته السلالية، فضلًا عن مشروع إحلال عصبويته محل موظفي الدولة".
 
بدوره، ذكر وزير الإعلام معمر الإرياني، أن ما سمي "مدونة السلوك الوظيفي" هي عملية عقاب جماعي لمئات الآلاف من موظفي الدولة ممن نهبت مرتباتهم منذ 8 أعوام، وتريد تحويلهم لمجرد "قطيع" في مسيرتها الظلامية"، كما أنها تهدف إلى "أدلجة الوظيفة العامة، ومقايضة موظفي الدولة بين الالتحاق بمسيرة كاهن مران بحضور الدورات الثقافية، والالتزام بدعوات التعبئة والتحشيد والتجنيد الإجباري للقتال، والانخراط في الأنشطة والطقوس الطائفية المستورد من إيران، أو الفصل من الوظيفة".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية