يتناول الشاب معتصم أحمد، 28 عامًا، حبة "ترامادول" بشكل شبه يومي، بهدف التخلص من الألم، والهروب من واقع الحرب، وما أفرزته من معاناة نفسية.. فقد اعتاد هذا الشاب على مرافقة المهدئات منذ عامين؛ إذ أفقدته حادثة سقوط والدته بقذيفة عشوائية توازنه النفسي.. يقول معتصم: "حرب الحوثيين جلبت لنا الكثير من المعاناة، كنت أعيش أنا وأسرتي، حالنا حال البسطاء في مدينة تعز.. قبل سنتين، استهدفت مليشيا الحوثي منزلنا في صالة، وتوفيت أمي.. مع فقدان والدتي زادت معاناتي النفسية، وأصبحت أعيش على المهدئات".
 
يضيف في حديثه لـ"2 ديسمبر": "في البداية كنت متأثرًا من الحادثة، دائمًا أفكر، وأعيش بقلق، بدأت أشرب حبة باليوم، بدون ما أعرف أن تعاطي المسكنات يؤدي إلى الإدمان.. حاولت الامتناع عن هذه الحبوب، لكن كلما أتوقف يومًا أو يومين، أعود إلى الدائرة نفسها.. أحيانًا أُصاب بقلق غير طبيعي خصوصًا في الليل، لذا أشرب حبوب عشان أهدأ وأنام".
 
خلال سنوات الحرب، التي أشعلتها مليشيا الحوثي، تفشت ظاهرة إدمان المهدئات والعقاقير الطبية لدى فئة المراهقين والشباب، التي تُعد من أكثر الفئات المتضررة بتبعات الحرب الكارثية.. معتصم، واحد من عشرات الشباب في تعز الذين تعرضوا للعديد من الانتهاكات من قِبل الحوثيين؛ قتل وتشرد ونزوح ومآسٍ جمة خلّفت أضرارًا نفسية عديدة، وأُصيب الكثير من المدنيين بالهذيان، والاكتئاب، والاضطرابات النفسية.
 
آثار الحرب والحصار
 
منذ ما يزيد عن سبعة أعوام، ومدينة تعز- شأنها شأن كثير من المدن اليمنية- تعيش حربًا مفتوحة، وحصارًا خانقًا تفرضه مليشيا الحوثي، من أكثر من اتجاه.. سكان المدينة يقفون يوميًا أمام تحديات ومخاطر وجودية، وسط حرمان شبه كامل من أبسط الحقوق الإنسانية.. لقد ألحقت الحرب أضرارًا مباشرة بالمدنيين، وكثيرة هي القصص المأساوية مع الاكتئاب الناجم عن بؤس الحياة اليومية، والأزمات الاقتصادية والإنسانية التي أثقلت كاهل البسطاء.
 
أطباء نفسانيون بتعز، يرون أن الحرب وتردي الأوضاع المعيشية، سببان رئيسيان يقودان كثيرًا من الشباب إلى تناول الأدوية المخصصة لمرضى القلق والاضطرابات، والتي تصنف ضمن المؤثرات العقلية، وتستخدم في الأغراض الطبية كمهدئات ومقومات لتخفيف التوتر العصبي، ويؤكدون أن حرب الحوثيين ألقت غالبية الناس إلى رصيف البطالة والجوع، الأمر الذي فاقم الأمراض النفسية، وزاد من الإقبال على تعاطي تلك الأدوية والمهدئات.. موضحين: "المواطن طبيب نفسه، يأخذ المهدئات، ويشرب دون استشارة الطبيب، هذا الخطأ الذي يقوم به البعض يعود إلى غياب الوعي، ويسبب حالة إدمان غير عادية.. الشخص عندما يدمن على المنومات لفترة معينة، لا يستطيع بعدها النوم إلا بنفس الجرعة التي اعتاد على تناولها.. وزيادة هذه الجرعات بدون إشراف طبي، يؤدي إلى إدمان جسدي، ونفسي".
 
يتسبب تتاول هذه العقاقير، وفق المختصين، بجملة من المخاطر والأضرار الصحية، والجسدية على حياة الشخص والمجتمع.. يمر المتعاطي بحالة من النشاط بداية تناوله هذه الأدوية، إذ تعينه على تقبل الواقع، والقيام بالأعمال، وممارسة الحياة اليومية بدون معاناة؛ لكن تدريجيًا تتحول إلى أزمة، حيث يبدأ بالتخلي عن مسؤولياته تجاه نفسه ومحيطه، ليصبح أمام مشكلة تحقيق رغبات الدماغ، الذي يحتاج يوميًا إلى جرعة كافية.
 
ويوضح الأطباء أن إدمان الأدوية النفسية، يُعد مرضًا دماغيًا لأنه يعمل على تغيير بنية الدماغ، وآلية العمل الخاصة به، وهذا قد يؤدي إلى ظهور سلوكيات غير طبيعية، مثل الاضطرابات النفسية، ناهيك عن الخلل الذي قد يصيب بعض وظائف الجسم.
 
وعن الحلول، يرى الأطباء أن تعز ومختلف مدن اليمن، بحاجة إلى حملة وطنية مشتركة، تعمل على الحد من استخدام المسكنات، دون استشارة طبية، بالإضافة إلى منع بيعها في البقالات والأسواق، والتركيز على توعية الصيادلة بخطورة صرفها للمواطنين بشكل عشوائي، فالوعي المجتمعي من أهم الإجراءات الوقائية التي تساهم في تقليل نسبة الإقبال على الأدوية والممنوعات من المهدئات.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية