عندما تصبح البطانية حلماً.. الشتاء كابوس يؤرق النازحين اليمنيين (تقرير)
"ما عد نشتي من هذه الدنيا إلا خيمة وبطانيات تغطينا من البرد ولقمة عيش تبعدنا من الموت". بهذه الكلمات وصفت "أم إلياس" حالتها في مواجهة البرد السنة الماضية وحاجتها لمواجهة الشتاء القادم، وهي امرأة في العقد الرابع من عمرها تعيش في أحد المخيمات بمحافظة مأرب، بعد أن نزحت من بلادها بعد انقلاب مليشيات الحوثي على الدولة في 2014.
معاناة النازحين لا تختلف من الساحل الغربي إلى مأرب إلى كل مخيمات النزوح.. غير أنها في مأرب تواجه برد الشتاء معاناة إضافية قد لا يعانيها النازح في المناطق الساحلية التي يكون فيها جو الشتاء معتدلاً.
تقول أم إلياس لوكالة "2 ديسمبر"، "نعيش أوضاعاً صعبة للغاية، ولا نعرف كيف نستقبل موسم الشتاء لهذا العام، وأني امرأة وحيدة أعيل أربعة أطفال أحدهم مصاب بضمور في الدماغ، وأبوهم جريح لا يستطيع القيام بأي شيء".
وتضيف: "نزحنا بسبب الحرب الحوثية علينا، فما عاد درينا من أين نلقفها من الحوثي وإلا من حالتنا في المخيم". فبعد وصولنا المخيم بدأت رحلة المعاناة من جديد ابتداءً بالمأوى وانتهاءً بالموت من البرد.
تتحدث "أم الياس"، وهي تحمل طفلها المريض وقهر السنين ومرارة النزوح، سائرة نحو قَدَرٍ مجهول صنعته أيادٍ آثمة! تحبس كلمات الأنين فتخرجها عبرات متتالية تسرد معاناتها فتنثر الأوجاع المتكررة في كافة مخيمات النزوح.
بدأ الشتاء وبدأ معه الخوف من الأمراض والبرد -تضيف أم إلياس- فالجميع "يعرف شدة برد المخيمات، لا معنا فرش ولا بطانيات ولا ملابس. حتى الأطفال يروحوا المدرسة بدون صنادل (أحذية) وأقرب مدرسة للمخيم تبعد من 4 ـ 6 كيلومترات".
تعتبر مأرب مأوى لجميع النازحين، حيث تضم المحافظة، بحسب الوحدة التنفيذية، أكثر من مليوني نازح نزحوا من محافظاتهم نتيجة انقلاب مليشيات الحوثي على الدولة في 2014.
تقول أم إلياس "كنا في الشتاء الماضي نغلق الخيمة ونخيط المقطع وندفى بشولة الغاز، لكن هذه السنة ارتفع سعر الغاز ومش قادرين نشتريها".
وتضيف: "والله نجمع كل مجموعة أطفال تحت بطانية لما يحلها الله، احنا نسوان متحملات أسر من أين نجيب، كم جهدنا، ما نقدر نوفر حق الأكل، معي ثلاثة أطفال واحد منهم مريض فيه ظمور بالدماغ وأبوهم جريح، والمسؤولية علينا، أيش نسوي؟ كم جهدنا".
وتحدثت عن معاناة العيش في المخيم "والله كنا نطبخ في الحمام، عزكم الله، تجي العاصفة باليوم مرتين ثلاث وتقتلع خيامنا ونعاني طول الصيف من شدة الحر والأمطار والعواصف الرملية، حتى تقطعت الخيام".
ليست أم إلياس وحدها من تواجه صعوبة الحياة ومرارة العيش ومعاناة النزوح، بل هناك المئات من الأسر النازحة التى فقدت معيلها نتيجة الحرب وأصبحت وحيدة تعيل أبناءها وتتحمل عبء الحياة وحدها.
أصبحت الكوارث الطبيعية وتقلبات الطقس وانعدام سبل المواجهة ووسائل الوقاية بعضاً مما يهدد حياة سكان المخيمات في مأرب ويعرضهم للمخاطر خاصة مع أجواء المحافظة القاسية، فهي شديدة البرودة شتاءً وشديدة الحرارة صيفاً.
مواطن آخر تحدث لوكالة "2 ديسمبر"، عن معاناة الشتاء، يقول عبد الله عبد العزيز: "إن برد الشتاء أصبح هما يرهق كاهل المواطن في ظل تردي الأوضاع المعيشية، ويعتبر النزوح وانقطاع المرتبات والتدهور الاقتصادي هماً، والبرد ومواجهة الشتاء هماً آخر خاصة لسكان المخيمات".
ويضيف "الشتاء العام الماضي تسبب في فقدان أطفال وأمراض، وهذا يجعلنا نشعر بالخوف والقلق هذا العام، خاصة وأن الشتاء دخل مبكراً".
ويوضح أنه بسبب حالته الاقتصادية لم يستطع هذا العام أن يستعد لمواجهة فصل الشتاء، مطالباً السلطة المحلية والمنظمات الدولية بالوقوف إلى جانبهم لمواجهة برد الشتاء.
لقد بات الموت برداً في مخيمات النزوح بمحافظة مأرب أمراً معتاداً وواقعاً وحقيقة مأساوية، نتيجة دخول فصل الشتاء وموجات البرد القارس، في ظل الأوضاع المعيشية المتردية في المخيمات وانعدام المساعدات التي تعين النازحين على مواجهته.
وفي حديث المسؤول الإعلامي للوحده التنفيذية عن الاجراءات التي اتخذتها الوحدة التنفيذية لمواجهة الشتاء لهذا العام قال أيمن عطاء، إن الوحدة التنفيذية والسلطة المحلية وبالتعاون مع شركاء العمل الإنساني يقومون بجهد كبير لأجل مساعده النازحين في تجاوز شتاء هذا العام، وأن الوحدة التنفيذية قامت بالعديد من الإجراءات التي سوف تساهم في تخفيف شتاء هذا العام منها إصدار تقرير عن الشتاء ورفع احتياجات النازحين في مجال المأوى والايواء لمواجهة فصل الشتاء، بالإضافة إلى مخاطبة كتلة المأوى والايواء لحشد التدخلات في فصل الشتاء، ورفع معاناة النازحين إلى الجهات المعنية السلطة المحلية والمنظمات المتخصصة ومخاطبة المنظمات.
ونوه عطاء، في حديثه، إلى أن الوحدة التنفيذية قامت بتفعيل إدارة الانذار المبكر والتي سيكون عملها في الأيام القادمة زيارة المنظمات والاطلاع على المخزون الخاص بالطوارئ التابعة للمنظمات لمواجهة فصل الشتاء، مطالبا ومناشدا المنظمات وشركاء العمل الإنساني بالتدخل لمساندة الوحدة في تخفيف معاناة النازحين جراء البرد.
وأشار عطاء بأن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه الوحدة التنفيذية وهي حجم النزوح الكبير في المحافظة وقلة تدخلات المنظمات واتساع الفجوة في مجال المأوى والايواء خاصة مع اقتراب فصل الشتاء.
العرادة.. جهود جبارة
ويبذل اللواء سلطان العرادة عضو مجلس القيادة الرئاسي محافظ المحافظة جهوداً جبارة لتخفيف معاناة النازحين.
ونتيجه لزيادة عدد النازحين بسبب العمليات العسكرية الأخيرة على أطراف مأرب، وجه العرادة خلال العام الماضي بإنشاء واستحداث مخيمات جديدة لاحتواء النازحين القادمين من مديريات جنوب مأرب، الأمر الذي فاقم من المعاناة وزاد العبء على الوحدة التنفيذية في المحافظة.
ووفقاً لتقرير أصدرته الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب، فقد أعلنت في أواخر العام الماضي 2021 عن وفاة ثلاثة أطفال في مخيمات النزوح بمأرب خلال ديسمبر، نتيجة تدني درجات الحرارة ودخول فصل الشتاء وسوء الأوضاع المعيشية التي يواجهها نازحو المحافظة، وبحسب التقرير فقد تم رصد 12602 إصابة وآثار صحية كان البرد سبباً في زيادة انتشارها.