أصوات هلع ورعب دوّت في القاعة اختلط فيه بكاء الشابة والطفلة باستغاثة أم "يا الله ، يا الله، يا الله"، قدِمت لمشاركة ابنتها فرحة التخرج الجامعي التي انتظرتها طيلة 4 سنوات، فيما يهرع شباب بغية إيقاف رجل بعد تصويبه السلاح نحو شيخ طاعن في السن وقف جوار ابنته يلتقط صورة تذكارية..
 
لحظات حبست الأنفاس حدّثنا عنها شهود عيان ومقاطع الفيديو التي انتشرت-انتشار النار في الهشيم- عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأظهرت تلك المشاهد؛ ومن خلال تدوينات للطلبة وذويهم عبّرت عن كمٍّ هائل من القهر والغضب لم تجد غير الفيسبوك متنفسًا لها.. "توجه سلاح على عجوز جاء يفرح مع بنته ويأخذ صورة معاها ، وخربت عليها الحفل، هو حفل ابوك او حفل أبوها"؟! تقول لبنى العبسي، مستنكرة ما حدث لهم، الأسبوع الماضي ، من قِبل أحد أفراد مليشيا الحوثي المكلفين من قِبل ما سُمي "نادي الخريجين" بالإشراف على حفلات التخرج في العاصمة المختطفة  صنعاء.
 
لم تدع المليشيا صغيرة أو كبيرة في مناطق سيطرتها إلا أرادت التحكم فيها وإحكام قبضتها عليها، ونادي الخريجين الذي ابتدعته في جامعة صنعاء ليس سوى نموذج بسيط يوضح الطريقة الصبيانية والكهنوتية التي تتعامل بها المليشيا المدعومة إيرانيًا مع الشعب اليمني واستخدامها القوة والنار لقهرهم؛ وإلا فما الخطورة التي يشكلها أب جاء مشاركًا ابنته فرحة تخرجها؟! ووضع الأهالي الفل حول أعناق أبنائهم لحظة الاحتفال، وكذا أغاني أيوب السبتمبرية في الحفل، حتى على مستوى لون البالطو وكذا الحذاء الخاص بالفتيات "يا سعم تثير الغرايز"؟! كل هذه الأمور تزعجهم ويمنعون الطلاب وذويهم من فعلها وارتدائها، يتحدث أنور، أحد خريجي قسم الصيدلة، ويطلق ضحكة ساخرة، ثم يتساءل: "يتحكم بحذاتك ما خطورة الكعب العالي بالله عليك؟! ما نفعل نزلوا أنفسهم لعند الحذاء هذا هو مستوى تفكيرهم أصلًا، وما في بروسهم شي في سبيل تطوير الخدمات والنهوض بالبلاد من هذا ما بش".
 
منذ تخرجت أول دفعة في جامعة صنعاء، بعد إنشائها، كان الطلبة يرتبون احتفالات تخرجهم بكل حرية دون حسيب أو رقيب من أحد؛ لأن تلك هي فرحتهم وحصاد سنوات من السهر والتعب، لكن في زمن المليشيا الحوثية بدا حفل التخرج مختلفًا؛ فشرعت في سن قوانينها التي تتلاءم وحياتها الأولى في الكهوف والجبال.. تتحدث سهى ، إحدى طالبات جامعة الملكة أروى، لـ"2 ديسمبر": "استئجار القاعة لا بد من تصريح منهم، ذهبنا لعمل التصريح من النادي انصدمنا بعقبة أخرى تخص اللجنة التحضيرية المكونة من عيال وبنات والقائمين على النادي يريدون إما أن تكون من البنات أو من العيال، حاولنا نقنعهم ونقول لهم نحن زملاء وصار لنا خمس سنين ندرس سوا، فما المشكلة من اجتماعنا في اللجنة؟ قالوا يكفي قدكم بتختلطوا في الحفل". 
 
ليس هذا فحسب فقبيل الاحتفال "يشترط النادي دفع 20 ألف ريال على كل خريج/ة، وصياغة فقرات الحفل والصوتيات من قِبلهم بمبالغ عالية، وكذا الاطلاع على مجلة التخرج لمعاينة صور البنات" تقول المقطري، مضيفة: "إحدى المسؤولات التابعة للنادي وصفت بعض البنات وصورهن بألفاظ سيئة، وعند كل اعتراض لهم يهددونا بإلغاء الحفل، وممنوع الاختلاط ومش عارفة أيش؟ وتفتيش ملابس البنات وإجبارهن على تشبيك الملابس رغم احتشامه أصلًا، حتى على مستوى الزغاريد هددونا إن سمعوا أهالينا يطلقون الزغاريد ولبسونا الفل أثناء المناداة باسم أحد منا بيطردونا نحن وأهلنا، ما يشتونا نفرح خالص"!
 
لم تكتفِ المليشيا بتنغيص الفرحة من خلال ما سبق ذكره؛ بل تستخدم كل الطرق لإشباع نهمها على حساب الطالب الكادح، "قبل الحفل يطفأون أنوار القاعة ويطلبون دفع مبلغ مضاعف للأمن بحجة استقدام عناصر أمنية جديدة، ومنعوا إحدى الطالبات تتكرم من قبل زوجها، مارسوا علينا ضغوطات وإرهاب وهددونا بالأمن القومي والوقائي إن لم نرضخ لأوامرهم"، بحسب المقطري.
 
في حفلة تخرج أخرى قامت المليشيا بتأخير الحفل كون المبلغ الذي دفعه الطلبة قليلًا، كما زعموا، ما اضطر الطلبة لجمع مبلغ جديد، بدأ الحفل، وعند 12 ظهرًا أطفأت مليشيا الظلام أضواء القاعة قبيل انتهاء الاحتفال وأجبرت الطلبة وأهاليهم على المغادرة، كما روت لنا هدى الحربي.
 
من جهته، يؤكد مبارك - طالب-  في حديثه لوكالة "2 ديسمبر": "مشاهد مسلحة مستفزة في الحفل الذي حضرته قبل أيام لا عمل لهم سوى التحكم، ممنوع صوت الفرح وابتسامة الخريجين وأي أغنية كتلك التي يحب الطلبة سماعها أثناء احتفالاتهم (وحياة قلبي وأفراحه لعبد الحليم حافظ)، بعد ملاحظتي كل تلك التصرفات غادرت القاعة مباشرة".
 
بلا صفة قانونية 
 
تعددت تصرفات النادي اللا قانونية، وبدا عملهم مدعومًا من جهات عليا، وإصدارهم تعميمات تمنع ملاك القاعات التعاقد مع أي دفعة تخرج في صنعاء، وكذا احتكار متعهدي الحفلات على ثلة منهم فقط، فيما اضطر الكثير لإغلاق مكاتبهم ومصادر رزقهم لأنهم لم يروقوا للنادي، الذي يفتقر لأي صفة قانونية، فهو "مسجل في الشؤون الاجتماعية يعني تصنيفه القانوني منظمة مدنية فردية وخدمية تطوعية لا تهدف للربح، وليس لها أي صفة رقابية أو تنظيمية أو ضبطية"، بحسب المحامي أحمد ناصر في حديثه لوكالة "2 ديسمبر"، مؤكدًا أنه "لا يحق للنادي احتكار تنظيم الحفلات والأعراس والمآتم ولا حتى الإشراف عليها، لا بد من حل النادي وتقديم دعوة لنيابة الأموال العامة، والضغط على سلطة صنعاء (التابعة للمليشيا) لحل هذا الكيان المتطفل الدخيل ومحاسبتهم وتقديمهم للتحقيق". 
 
يرى ناصر، أن المليشيا، التي ترى نفسها فوق القانون، تستهدف طلاب الجامعات، بصورة أساسية، لأن المليشيا تدرك عدم سيطرتها عليهم وتحاول كسر قوتهم بتلك التصرفات.
 
مصدر في وزارة التربية والتعليم في حكومة المليشيا غير المعترف بها  بصنعاء- فضّل عدم ذكر اسمه- اعتبر ما تقوم به المليشيا عملًا استخباراتيًا وقمعًا يهدف إلى إحكام قبضتها على الجامعة، إضافة إلى معرفة أسماء الجميع وعناوينهم وكل ما يتعلق بهم وكذا أهاليهم، وكل ذلك يؤكد أن جهات عليا تقف وراء ذلك سعيًا منها لاستنساخ التجربة الإيرانية في قمع الطلبة.. مستدركًا أن انتفاضة شباب الجامعات أثلجت الصدر وأعادت الأمل بأن هناك شبابًا يعترض ويصرخ رافضًا: لا، أمام القوة الغاشمة.
 
ويذكر المصدر أن ما سُمي "نادي الخريجين" أُسس كملتقى طلابي يزعم أنه سيقدم الخدمات المجانية للطلبة، المنح، الدورات، الوظائف؛ غير أن اللوائح الصادرة عنه مطلع 2021  والتي تنظم لاحتفالات التخرج وسبق أن سردها التقرير؛ كشفت أنه بمثابة سوط أرادت المليشيا من خلاله جلد وتركيع أهم فئة من فئات الشعب وهم الشباب.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية