يندرُ أن تبقى الأشياء بذات الأهمية والكفاءة كلما تقدم بها الزمن وانقضى وطرٌ من بداياتها، إلا ثورة الـ26 من سبتمبر لا يزالُ إيقاعُها الوطني يزمجرُ في وجدان اليمنيين كحدث لا يبلى، ويتردد هزيمُها المهيب في كل البلاد من شرقها وغربها؛ وكأنها عادت تتشكلُ من جديد بعد 60 عامًا على ولادتها وإطاحتها بمشروع الجوع والفقر والمرض، الذي كان يُعرفُ بالإمامة.
 
كان مهيبًا، حين خرجت صنعاء بلا موعد مسبق، على غير المألوف الذي كرّسه الحوثيون قسرًا، لتطربَ في ميدان السبعين، حيث موقعة الملحمة الثورية التي لخّصت آخر فصول الإمامة في اليمن وكتبت أولى بدايات الجمهورية؛ هُنالك حيث احتشد الناس طوعًا بدون دعوة لإيقاد شعلة الـ26 من سبتمبر، في صورة بهيةٍ أثارت جزع المليشيا المدعومة من إيران، وأيقظت هواجس قلقها.
 
كانت صنعاء والحديدة وإب، ومحافظات أخرى تحت سيطرة المليشيا الحوثية تحتفي بالذكرى بإباء وألق، وكان الساحلُ الغربي ومأرب وتعز وغيرها من المحافظات المحررة تجسد اليقظة الوطنية ذاتها بتمجيد هذه الذكرى والاحتفاء بها شموخًا ورفعة؛ كونها النور الذي سطع على البلاد بعد ليلٍ طويلٍ من العتمة، وحطم القيود التي كبلت حرية اليمنيين وطوّقت حقهم في الحياة.
 
وما يزيد الثورة اليمنية أهميةً وعنفوانًا أنها "ثورة متجددة عصية على الشيخوخة والتقادم"، تزداد صلابة وتكتسب أبعادًا ثورية أكثر شمولًا وعمقًا وتجذرًا مع كل محاولة لردة إمامية كهنوتية؛ على حد توصيف عضو مجلس القيادة الرئاسي- رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية العميد طارق محمد عبدالله صالح.
 
وقال رئيس المكتب السياسي إن الاحتفاء بعيد ثورة سبتمبر، إنما هو "تعظيم لإرادة التغيير وتجديد للعهد الذي قطعناه للسير على هدى الثورة وأهدافها وتضحيات رجالها"؛ مؤكدًا أن اليمنيين لن يستسلموا لخرافة الولاية والاصطفاء، وأنه "لا مكان تحت شمسنا لسلطة الدجل والشعوذة والإتاوات".
 
وأشار العميد طارق صالح إلى أن الشعب اليمني أكد في هذه الذكرى الخالدة، "أن ثورة 26 سبتمبر هي ضميره الثائر في سبيل العدل والحرية والسلام. ورغم الانقلاب والحروب والشتات، ورغم المخاطر والمخاوف، لقد احتفى اليمنيون بيومها، عيد ميلاد لكل شخص منهم".
 
واكتظت أعداد غفيرة من المحتفين في ميدان السبعين، ليشقوا عتمة الليل الحالك بشعلة سبتمبر الوضاءة، قبل أن تتدفق نحوهم جحافل الحوثيين لتطارد الحاضرين وتعتقل من تسمروا في المكان لمواصلة الاحتفاء؛ لكن هذا الفعل الحاقد لم يطفئ جذوة الثورة بل أكد العداء الحوثي للثورة التي طمرت مشروعًا إماميًا قديمًا يحاول الحوثيون جاهدين إعادة إنتاجه اليوم من جديد لإعادة اليمن 60 عامًا إلى الوراء.
 
ولم تقتصر بهجة الاحتفاء على المدن الكبيرة فقط؛ بل توقدت قمم الجبال في الأرياف باللهب الثوري، وهو تقليد دأب عليه اليمنيون للاحتفال بالـ26 من سبتمبر كمناسبة وطنية خالدة في الوجدان تجذّرت أهدافها وقيمها في ضمائر اليمنيين، وتوارث الناس الولاء لها جيلًا وراء جيل.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية