ثمانٌ عجاف.. ناشطون يمنيون يصفون نكبة 21 سبتمبر (تقرير)
ثماني سنوات منذُ اجتياح مليشيا الحوثي الإرهابية العاصمة صنعاء، لصالح فوضى إيران الطائفية في المنطقة والقضاء على المكونات المدنية والعسكرية، الجمهورية والعروبية، التي كانت تشكل هياكل الدولة القائمة.
في الحادي والعشرين من سبتمبر من العام ألفين وأربعة عشر، توجت المليشيا الحوثية حملةَ مطالبها الكاذبة عن الجرعة النفطية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بإسقاط صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية والغربية للبلاد، متخذةً من انتفاشتها "حصان طروادة" للإجهاز على النظام الجمهوري وكل ما يمت له بِصلة؛ تنفيذًا لمخطط فارسي شمل عددًا من العواصم العربية.
استبداد بلا أفق
الباحث في شؤون المليشيا الحوثية، متولي الخطيب، يستغرب من عدم إعلان المليشيا المدعومة إيرانيًا بعد مضي هذه السنوات من استيلائها على مقدرات البلد، عن شكل لنظام الحكم مما تعارف عليه السياسيون في أنظمة الحكم المعاصرة.
يؤكد الخطيب في تصريحه لوكالة "2 ديسمبر"، أن المليشيا الانقلابية لا تؤمن بشراكة ولا تعددية ولا تعترف بسلطة رابعة. مستشهدًا بصراع الأجنحة في صفوفها وكيف تعاملت مع بعض قياداتها من الصف الأول حينما احتدم الصراع، كالدكتور عبدالملك المتوكل وجدبان والدكتور أحمد شرف الدين وصولًا إلى حسن زيد.
سلالة رفض اليمنيين
إلى جانب حملها معول هدم الدولة الجمهورية وطمس هُوية المجتمع اليمني ومحاولات إخماد جذوة ثورة الشعب ضد ممارساتها بقوة سلاح الدولة المنهوب؛ كشفت سلوكيات قيادات المليشيا الحوثية عن توجه متعالٍ يقسّم الناس إلى فئات معظمها يجب أن يؤدي صكوك الطاعة لسلالة مزعومة وفق توجه لم يعُد سريًّا؛ إذ باتت الشواهد على هذا تتعاظم يومًا بعد آخر في المحافظات المحتلة من المليشيا التابعة لإيران.
الصحفي والحقوقي همدان العليي، يرى أن قراءة الكينونة الفكرية للمليشيا الحوثية القائمة على أساسٍ عنصري بتقديس سلالة بعينها تزعم أن الله منحها الحق الحصري في حكم اليمنيين ولو باستخدام أي وسائل غير إنسانية، كافٍ لمعرفة مشروعها الحقيقي، وما احتكار المناصب العليا في الدولة مرورًا بتعيين مشرفين من السلالة على أية مؤسسة يقف أعلى هرمها موظف ذو نسبٍ مغاير وصولًا لمنع الزواج من الأقل منهم نسبًا وفقًا لنزعة تطرفهم، إلا شواهد حية يلامسها اليمنيون عيانًا بيانًا في مناطق سيطرة المليشيا.
العليي، يؤكد في حديثه لوكالة "2 ديسمبر" أن المليشيا ومنذُ سيطرتها على صعدة وصنعاء، عملت على التعبئة ضد الآخر في مختلف الكيانات والمذاهب حتى في إطار بعض المكونات الزيدية، ووصل الحال بها بعد إسقاطها للدولة إلى فرض الكراهية في أوساط المجتمع وفي الجهات الحساسة منه كالمدارس والجامعات والمساجد.
هذا الأمر- كما يقول العليي- يصنع شرخًا غائرًا في البلاد ويعيدنا إلى تحذيرات كان يطلقها عقلاء قبل اجتياح الحوثية لصنعاء، بأن الحالة المناطقية والعنصرية التي تحملها المليشيا بجعبتها ستخلق واقعًا مغايرًا إلى الأسوأ في جميع المناحي، وما إشعالها للنعرات الطائفية والجهوية هذه الفترة إلا تتويج لحملة طمس الهوية اليمنية.
تفريغ الأصوات المعارضة
الناشطة هدى الصراري، رئيسة منظمة دفاع للحقوق والحريات تنوه بأن مليشيا الحوثي منذُ انقلابها على الدولة في سبتمبر 2014، وسيطرتها على مقاليد الحكم والمؤسسات الرسمية، عمدت إلى تفريغ مواقع صنع القرار في المناطق الخاضعة لها من أي آراء أو توجهات معارضة لمنهجيتها، تلى ذلك قمعها للأصوات المعارضة، وممارسة أبشع الجرائم والانتهاكات المخالفة للتشريعات الوطنية والقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، من خلال اعتقالات تعسفية للصحفيين والسياسيين وكل فئات المجتمع.
تواصل الصراري حديثها لوكالة "2 ديسمبر": لم تكتفِ المليشيا بكل جرائمها المرتكبة في حق اليمنيين بل استغلت الملف الإنساني للضغط على المجتمع الدولي لتمرير مشاريعها الاستيلائية على موارد النفط والموانئ وتسخيرها لخدمة مشروعها ورفد جبهاتها.
اللغة الأنجع مع الإرهاب
لم يقتصر طموح السيطرة على المحافظات الشمالية فحسب، وإنما جرّت أداة الموت الحوثية جحافلها صوب المحافظات الجنوبية والشرقية، وبقدر إرهابها كانت هزيمتها المذلة، فالمقاومة الجنوبية بإسناد التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أفضت لهزيمة بددت حلم تحويل اليمن لخاصرة رخوة تهدد الإقليم والعالم. وبتأمين باب المندب ومعظم الساحل الغربي من جانب القوات المشتركة؛ اهترأت الرئة التي كانت تزود المليشيا بالسلاح الإيراني، فالضربات الاستباقية في إحباط محاولات التهريب وإلقاء القبض على دفعات كبيرة من المهربين للسلاح الإيراني مهمة أولتها المقاومة الوطنية في الساحل عناية خاصة، وهي بهذا الإنجاز تكمل ما توقف في جبهات القتال بفعل الهدنة الأممية.
كانت للسياسة مساحة وللحلول الودية مكانة وفق مرجعيات المجتمع الإقليمي والدولي؛ لكن مليشيا الحوثي تنصلت من الالتزام بأية مبادرة تسعى لإنهاء الحرب وإقامة دولة مدنية تكون جهة السيادة الوحيدة، كون هذا الالتزام بنظرها وأدًا رسميًا لمشروعها الطائفي.
ينظر اليمنيون ليوم الحادي والعشرين من سبتمبر، بوصفه شرًا محضًا ونكبة نزعت ركونهم إلى الحلول الممكنة والناجزة لدفن الخلافات وتأطيرها تحت سقف الثوابت الوطنية والدستورية والجمهورية واستئناف عجلة المضي في التنمية والبقاء ضمن ركب العالم المعاصر، فثماني سنوات عجاف كشفت لليمنيين، بما لا يدع مجالًا للشك، مدى ما تحمله المليشيا الحوثية من حقد دفين على مستقبلهم.