عندما ظهر العميد طارق في شبوة، كنت بمناطق الحوثي، كتبت جملة واحدة: لكل أندلس طارق..
 
صافحته في تعز بسلام العيد وهمست له: لكل أندلس طارق..
وبين ظهوره في شبوة وصلاة العيد في التربة، بين جملة وجملة، سنوات من الحرب والنصر والعمل والجد والكفاح ولملمة نُخب البلاد، وإرساء الفكرة الوطنية؛ لذا كتبتُ عن السر وسأكتب...
 
أؤمن بسلطة الأسماء على حامليها، وروحية الاسم وتشكيله صاحبه، وللعرب إيمان عميق بهذه القدرة والمجانسة بين الاسم والمسمى؛ فقد كانت العرب تسمي الأبناء بأسماء جبارة مثل نار وسيف صمصام وأمثلة كثيرة تعني القوة والشجاعة والقسوة، على خلاف تسمية العبيد نجاح فلاح ضياء، وقد قالت العرب تبييناً للسبب: أسماء أولادنا نضرب بها العدو وأسماء عبيدنا تخصنا نحن، هنا يظهر إيمان العرب منذ القديم، بقدرة الاسم وهذا سأكتبه وأوضحه بقبس من التاريخ وبحقيقة من الحاضر..
 
 زياد، أمازيغي لا يعرفه أحد، سمى ولده باسم تجهله البلاد آنذاك، في مجاهل الشمال الأفريقي، والإسلام لم يأتِ بعد ويتجذر في الصحراء الممتدة بالقبائل، ولو شئت لقلت: هو الله، القدرة من سمته طارق، فالقدرة أوحت له ورسمت منذ مولده اسمه ورسمه، الطارق، فلا يليق بفاتح الأندلس أن يحمل اسماً مثل ملعاص ومثل عباد، أو كسيلة ومن على شاكلته ورسمه؛ فالخالدون تعجنهم القدرة منذ ميلاد الجد الأول من عقب آدم، أو لأقُل منذ الجد الرابع، فمنّ عليه أن يوحد بين العرب والبربر في صحارى وجبال أفريقيا بعد قرابة قرن من الفوضى، وعدم الاستقرار، ومنّ عليه أن يقفز قفزة تخلدها العصور وتسمى بلداناً باسمه ويطرق بلاداً يجهلها عرب وبربر، وهي أبعد عليهم آنذاك بُعد واشنطن اللحظة، عليه أن يحمل اسماً يوازي كفة الفتح الأسطوري، للاسم سلطة على صاحبه..
 
ولطارق صالح روحية الاسم، والمعنى.
وأنا رفقته في زيارته لتعز، شعرت بمعنى الانتصار الباذخ، على الكهنوت، سيد الفرقة والشتات، فهذا الانتصار هو انتصار الجميع، انتصار العقلاء وحاملي القضية الكاملة، انتصار لكل رجال الملاحم، في الساحل وتعز، وللقيادات وعموم الناس، وللأحزاب حتى، فليست المشكلة في الخصومات؛ فهذه سُنة كونية ودون الخلاف سيهمد الكون، ولكن الانتصار والإنجاز يتمثل بالقدرة على تجاوز كل شيء، والقفز على كل شيء، إلى غاية مثلى ونسيان الماضي لتحقيق تلكم الغاية..
 
عندما تختلف مع أحدهم هذا شيء؛ لكن اتفاقكما معاً شيء مختلف، فالأول حدث عابر والثاني حدث متفرد، ولقد اغرورقت عيناي بالدمع، وأمامي أرى الجميع بصف واحد، يخاطبهم خطيب واحد، ويحدثهم بلغة السماء، ويروي في قلوبهم النبتة الأولى للمعنى الإنساني، فالاتحاد هو لبنة العالم الأولى، وما أجملنا ونحن نتصافح..
 
أنت روح صالح أيها القائد، رأيت فيك الإنسان المختلف، القائد المتفرد، الرجل الواقف بين المواقيت الصعبة يضرب ضربته، ويطرق مكامن الضعف فيحولها بحنكته إلى مكامن قوة، فأنت، وكل إنسان يستطيع أن يخسر في اليوم ألف إنسان ويحولهم إلى أعداء؛ ولكنك أنت وحدك تستطيع في يوم واحد كسب مئات الآلاف من الأصدقاء، ومنحهم القوة، وبعث الشجاعة منقطعة النظير في سيرتهم وفي معركتهم، فالمؤمن القوي خير وأحب، وأجل.. القوة أن تستطيع تذويب التناقضات.. أشكر الجميع الذين كان لهم الدور الباذخ في رسم هذه الصورة المرسومة، بسنوات الجد والكفاح، أشكرهم..
 
نحن الآن في مرحلة دقيقة من معركتنا، مرحلة تفتق الذهن الوطني نحو اليقين الجمهوري أو عكسه، وعلينا اختيار الطريق الذي نسير فيه، النصر أو الهزيمة، بعد هذه المرحلة سوف يفقد كل شيء لمعانه إذا عادت الذهنية إلى صورتها الممزقة، فكونوا عوناً للمرحلة، لا عائقاً، لنكن بساط الريح الذي يحمل الحلم الجمهوري بسرعة الريح نفسه، ونأخذ شكله ونعته.
 
مشكلتنا الحقيقة أن واقعنا الحالي متلاحم، وممزق في ذات الوقت، تناقض مميت، وكان لا بد من بادرة تميت هذا التناقض وتطرد التمزق لصالح التلاحم، فمن يبادر؟ صاحت القدرة العليا بالجميع، صاحت سنوات، وسنوات، فكان جواب طارق صالح هو الكفيل برسم التلاحم، جوابه خارقاً للذين ظنوه عكس ذلك؛ وأما أنا فلقد رأيته بهذه الصورة وتخيلتني معه بمثل هذه الوقفة منذ سنوات، أقسم إنني تخيلتها هذه الوقفة منذ سنوات، لمعرفتي أصله ومعدنه وقياديته الفارقة، وروح صالح الفريدة..
 
وعن تعز سأكمل:
 
ردة فعل شامخة في تعز، امتلأ الواتساب بالسؤال والاستفسارات والمباركات، فالزيارة كانت فارقة بكل المقاييس، والناس الذين كانوا مادة صراع طيلة سنوات هم أفرح الخلق بهذا التوحد الجمهوري الباذخ..
قلت لأحدهم: لم أكن أشتم تعز، من قال لك ذلك؟ أنا كنت طيلة سنوات أكتب عن تعز، وأقول هذه ليست تعز، أريد من تعز أن تعود لصوابها فقط، ولما عادت تعز لصوابها أفتخر بتعزِّيَّتي، وأنا من تعز، واليمن الكبير..
قلت للعميد في هذه الصورة: لكل أندلس طارق، صحيح أتيت معك وجنديك أنا، ولكنني أصافحك الآن بتحية العيد كواحد من تعز يتشرف بزيارتك إلى بلادك، فهي بلادك.
 
 زيارة العميد طارق بصفته نائب رئيس وقائد قوات المقاومة الوطنية، ألقت بجلالها على أفئدة الناس، فالناس على دين ملوكهم، وتفسير هذه: الناس على خطى حكامهم..
منذ سنوات والعميد طارق يقول للجميع: الميدان الميدان الميدان، أي اخرجوا للناس، المعركة بين الناس.. رجال المعركة في الميدان، هذه لحالها، أقصد لكم نحن ومن بقي ليس متنكباً بندقيته فميدان المجتمع هو الواجب،
أي: غادروا العوالم الافتراضية واندمجوا مع الناس وأشعِروهم بالقضية وأن الدنيا بخير وأنه لا زال هناك رجال على هدى الفداء، لا تبتعدوا عن الناس، فهم كل رهان.
 
في صورة واحدة يجتمع ابن تعز وابن صنعاء وابن حضرموت وابن ذمار وابن كل مدينة، بمدينة التربة دلالة على واحدية المعركة الشاملة.
 
منذ الأمس والمليشيات في أرق، تعاني الخوف، لم تتوقع أن في أشهر قليلة فقط حدث انقلاب مختلف في مجمل الجغرافيا الجمهورية على عكس مرادهم وأحلامهم الظلامية.
 
صحيح، سأجد من يقول: "يكفي تطبيل"! ليس تطبيلاً وسأكتب كثيراً؛ فالصراع الذي صج العالم، وعاشته الإنس والجان، ولسنوات، ووصل إلى ذهنية كل فرد يمني، وعشنا سنوات على الفعل وردة الفعل والمناكفات، يجب أن أكتب كثيراً عن تلاشيه، كثيراً..
نحتاج لسنوات من الكتابة بالتلاحم لنمحو سنوات من كتابة الخلافات؛ فلا تستكثروا ثلاثة مقالات أو عشرة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية