قبل أن تعلن مليشيا الحوثي، اليوم الثلاثاء 28 يونيو، تخرج دفعات عسكرية جديدة أطلقت عليها "البأس الشديد"، تزامنًا مع لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن برئيس وفدها المفاوض، والذي وصفه مراقبون بـ"لقاء الفرصة الأخيرة لإنجاح الهدنة"؛ كان العميد الركن طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي- رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، قد تحدث بوضوح عن نوايا الجماعة التي اتخذت من الهدنة فرصة للتحشيد وإعادة ترتيب دفاعاتها.
 
قد يعتقد البعض أنه من المُجحف التعجّل بحسم الجدل المتعلق بالهدنة في اليمن، والاعتراف الصريح -دون الإغراق في التفاصيل- بأن الهدنة قد فشلت قبل أوان انتهائها؛ ومهما كانت التقديرات والآمال التي يعقدها البعض بما بقي للهدنة من أيام، فإنه لا شيء يمكن البناء عليه للخروج بمكسب متقدم، مع تمسك مليشيا الحوثي المدعومة من إيران بموقف متصلّب، يبدو جليًا أنه انسلاخٌ منها عما اُتفق عليه وتنصلٌ من التزاماتها في الاتفاق.
 
 الذين تبنوا، ولو من دون قصد، فكرة العبور المرتقب إلى ساحات التصالح والتصافح ووقف دوامة الحرب كُليًا، بناءً على تقديراتهم المستعجلة لمآلات الهدنة، سيدركون عمّا قريب أنهم تمسكوا بسراب من الوهم وظنوا أنه الأمل، وليس هذا من قبيل التأفف والتبرُّم، بقدر ما هو انطباع واقعي يستخلصه أي مراقب لسلسلة تطورات الهدنة منذ أن دخلت حيّز التنفيذ في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي، ثم تجديدها لشهرين إضافيين في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري.
 
نصَّ بيان الأمم المتحدة، الذي أُذيع في بداية رمضان، تحديدًا يوم الأول من أبريل الماضي، على أن الغرض من الهُدنة هو "إعطاء اليمنيين مهلة من العنف... وتفريج المعاناة الإنسانية، وأهم من ذلك لمنحهم الأمل في أنَّ إنهاء هذا النِّزاع ممكن"، إلا أن بواكير اليوم الأول للهدنة رسمت أول ملامح الطريق التي ستصل إليها القافلة الدولية في الأخير، وهو ما يحدث الآن بوضوح.
 
كان الحوثيون حريصين على إبرام هذا الاتفاق لأخذ استراحةٍ كافيةٍ تخلّصهم من عناء الحرب لبعض الوقت، يعيدون خلالها سد ثغرات العجز في صفوفهم بعد أن تعرضوا لانتكاسةٍ كبيرة على أسوار مأرب، ومثلها في محور حيس جنوبي الحديدة،  كلفتهم حصيلة بشرية هائلة من الخسائر، في حين كان مجلس القيادة الرئاسي يبحث عن تسجيل نجاحه الأول بالطرق السلمية حين تأكد له أن المجتمع الدولي والإقليمي يدفع أكثر في اتجاه الحل السياسي.
 
ارتأى الحوثيون أن الهدنة بالنسبة لهم فرصة ذهبية لالتقاط الأنفاس، وبدلًا من فتحهم طرق تعز ورفعهم الحصار عنها باعتبار ذلك استحقاقًا منصوصًا عليه في الهدنة؛ أظهروا حالة من التعنت والمراوغة والرفض، ما حدا برئيس الوفد الحكومي المفاوض في عمّان عبدالكريم شيبان، إلى دق جرس الإنذار مؤخرًا واعتبار المفاوضات مع الحوثيين بأنها "عادت إلى نقطة الصفر".
 
حالة من استعراض القوة، أشبه بالتحدي والاستفزاز يبعثها الحوثيون في رسائل صريحة للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، آخرها اعترافهم بتجنيد ثلاثة آلاف عنصر في عملية أشرف عليها شقيق زعيم المليشيا الحوثية المدعو عبدالخالق بدر الدين الحوثي، وتم الإعلان عنها تزامناً مع لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ برئيس وفدها المفاوض المدعو محمد عبدالسلام فليته، في العاصمة العمانية مسقط، وهو اللقاء الذي وصفه مراقبون "لقاء الفرصة الأخيرة لإنجاح الهدنة".
 
وقبل أسبوع أشرف مهدي المشاط، رئيس ما يُسمى المجلس السياسي التابع للمليشيا الانقلابية، على ضم دفعة جديدة من العناصر القيادية إلى صفوف المليشيا المدعومة من إيران.
 
كان الوسيط الأممي هانس غروندبرغ، في ضيافة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بالعاصمة الرياض، بعد أن عجز عن إقناع الحوثيين بقبول مقترح وسطي تبناه الوسيط الدولي لحل معضلة "حصار تعز"، لكن غروندبرغ الذي سبق له إقناع العليمي بقبول الجوازات الصادرة عن الحوثيين بهدف "تسهيل حرية الحركة لكثير من المدنيين اليمنيين الذين طال انتظارهم للسفر من صنعاء"؛ واجه إصرارًا رئاسيًا بـ"عدم الانتقال إلى أي ملفات أخرى قبل إلزام الحوثيين بفتح طرق تعز".
 
فيما يبدو، أصبح مجلس القيادة الرئاسي أكثر تمسكًا بمسألة رفع الحصار عن تعز، ويتفوق في هذا الموقف مُتحصنًا باستكماله الوفاء بالتزاماته فيما يخص مطار صنعاء وميناء الحديدة، وفي ذات الوقت أضحى يقظًا ومُتحسبًا لأي احتمالات واردة في هذه المرحلة العصيبة التي تتطلب إدراكًا وفهمًا لمآلات الأحداث مستقبلًا، مع ما أصاب الهُدنة من شلل رافقه إخفاق الوسيط الدولي في تحريك المياه الراكدة حتى الآن.
 
وكان العميد الركن طارق صالح الأكثر إدراكاً لمآلات الهدنة، وكيف أنها بالنسبة لمليشيا الحوثي محطة للتحشيد وارتفاع وتيرة تجنيد الأطفال وتحريك السلاح الثقيل والآليات والذخائر إلى مأرب وتعز، كما ورد في لقائه، الاثنين 27 يونيو/ حزيران الجاري.
 
وذهب العميد طارق صالح، الذي يقود قوة ضاربة في جبهات الساحل الغربي تتألف في غالبيتها من مقاتليين سابقين في الجيش اليمني مدربين بكفاءة عالية، إلى ما هو أبعد، مؤكداً الاستعداد لما لا بد منه في ظل تعنّت مليشيا الحوثي، وأن القوى الوطنية جاهزة لكل الاحتمالات "ألا إن نصر الله قريب"، تحيا الجمهورية اليمنية.
 
في الواقع، تظل الأبواب مفتوحة على مصراعيها أمام كل الاحتمالات، فبقدر ما كانت الهدنة فرصة مهيأة للسلام فإنها أيضا بهشاشتها قابلة للانهيار في أي لحظة، ولعل هذه المعطيات الواقعية كانت حاضرة في مدارك العميد طارق صالح عندما أكد "احترام الهدنة الأممية" في وقتٍ أكد أيضًا "أن العزيمة مرتفعة لكسر شوكة المعتدي وإلجام افتراءاته".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية