بألم ووجع كبيرين يحكي أيمن (١٥ سنة)، تفاصيل ما حدث لأسرته في منطقة الرَحْبَة التابعة لمديرية جبل حبشي غرب محافظة تعز، عندما كان الطفلُ ووالده قد قاما بتهيئة نفسيهما لاستقبال بقية أفراد العائلة، بمن فيهم أم أيمن، العائدين من رحلة نزوح شاقة استغرقت سنوات نتيجة تهجير قسري من قِبل مليشيات الحوثي.
"بعد تحرير قريتنا من مليشيا الحوثي مطلع العام الماضي، قررت أسرتنا العودة إلى المنزل "يقول أيمن في مستهل حديثه لـ"2 ديسمبر" مُستعيدًا تفاصيل أيامٍ خلت، كانت بمثابة كابوسٍ جثم على صدور الآلاف من سكان تلك البلدة الريفية الواقعة على مشارف منطقة الكدحة.
يمسح دموعه التي أخذت تنهمر على خديه مُحاولًا- دون اقتدار- تمالك نفسه، ويواصل حديثه "وصلت أسرتي المكونة من أمي واثنين من إخوتي وخالي، إلى القرب من بيتنا، وبينما كانت الأسرة تترجل من السيارة في طريقها إلى البيت، انفجرت بهم عبوة ناسفة كانت قد زرعتها المليشيات أثناء تواجدها هناك".
يشير أيمن بسبابته إلى مكان وقوع الحادثة، وهو يشرح بصوتٍ متحشرجٍ تخنقه العبرات: "حوّلتهم العبوة إلى أشلاء متفحمة تبعثرت هناك، سوى رأس أمي وجدناه وقد انفصل عن جسدها بفعل الانفجار، كان مضرّجًا بالدماء، في أجواء ملبدة بدخان الجريمة وصوت الفاجعة المدوي".
لم يبقٓ من أسرة أيمن سوى هو وشقيقته الصغيرة، ووالده الذي أُصيب بحالة نفسية من هول ما حدث أمام ناظريه؛ واستطرد: "لأننا لم نكن معهم بنفس السيارة، وإلا لكنا ضمن عِداد القتلى".
تحوّل أملُ العودة لدى الأهالي إلى ديارهم التي غادروها مرغمين، إلى جحيم من المتاعب تقضُّ مضاجعهم، إذ حوّلت المليشيا القرى والطرق المؤدية إلى بلدة الرحبة، إلى حقول الغام، كان معظم ضحاياها من شريحة الأطفال، وفق ما أفاد سكان محليون "2 ديسمبر" خلال زيارتها المنطقة منذ أيام.
بكثيرٍ من الاشتياق يُمنّي أيمن نفسه بأحلامٍ مغدور بها من قِبل الحوثيين، ففي كل يوم يقف الطفلُ المغبون على شرفة المنزل، يُطلق نظره في البعيد علّه يرى شيئًا من خيال أمه وشقيقيه الذين فارقهم بغتةً في لحظة وصال كانت على وشك التمام لولا تربص الحوثيين بهم وقتلهم دون رأفة بما بُيّت لهم قرب منزلهم.
عندما كُنا نتحدث إلى أيمن، لاستيفاء تفاصيل الحادثة الأليمة بإطارها الكامل، غالبه البكاء وقد أعياه الكمد بينما كانت غُصّة تكابده كلما نستذكر الموقف وأهواله، ما اضطره إلى التواري في الداخل حتى لا يُفصح عن مواجعه التي تتعاظم يومًا وراء آخر، وهو يستعيد حنان أمه الذي أُغتيل بحقد الحوثيين.
في عام 2016 بدأت مليشيات الحوثي الإرهابية اجتياح بلدة الرحبة، ونتيجةً لانعدام الحاضنة الشعبية في المنطقة، حصّنت المليشيا  تمترسها بكميات مهولة من الألغام والعبوات الناسفة التي زُرعت في مداخل القرى والوديان وموارد المياه ومناطق الاحتطاب، بدا الأمر وكأنه انتقام بسفك دماء سكان البلدة الذين اضطُر غالبيتهم للنزوح هربًا من شِراك الألغام.
ليس أيمن وحده من تكبد خسارة الفُراق في الرحبة؛ لكن خسارته مضاعفة وجسيمة، فثمة آخرون قتلت ألغام مليشيات الحوثي أحلامهم وحوّلت أمانيهم إلى مآسٍ، ولا تزال الألغام الحوثية في المنطقة تشكل تهديداً قاتلًا للسكان الذين يتحركون بحذر خشية الوقوع في فخاخ الموت المتربصة بحياتهم.
في إحصائية كشفت حجم الانتهاكات الإنسانية المريعة التي طالت شريحة في اليمن على أيدي الحوثيين، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في جنيف، أن عشرة آلاف طفل قُتلوا أو أُصيبوا بجروح في اليمن منذ بدء الحرب، وكانت الألغام في صدارة أدوات القتل التي تُستخدم في عمليات الفتك بالأطفال.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية