وقف المواطن عبدالله الريمي أمام المصلين في أحد مساجد أمانة العاصمة صنعاء وأدار لهم ظهره خجلاً من ما سيقوله، وبدأ الحديث عن الجوع الذي يسكن بيته منذ ثلاثةِ أيام نتيجة انطفاء لهب اسطوانة الغاز التي انطفأت معها كل أحلام أسرته.


 لم يستطع الريمي إكمال حديثه بعد أن سيطر عليه البكاء.. صمتٌ مطبق ساد أروقة المسجد ولم يتبقَ سوى صوت أنين هذا الرجل العاجز عن إنقاذ أسرته المكونة من تسعة أشخاص، خاصة أن جميع من في المسجد يعانون من نفس المشكلة، فأزمة الغاز المنزلي التي بدأت بقوة منذ مطلع مارس 2018 باتت كابوساً يؤرق كل أٌسرة في العاصمة صنعاء.

 

 استعباد الناس

بدوره المواطن حميد العديني يرى أن أزمة الغاز المنزلي واحدة من الأزمات التي تنسج خيوطها جماعة الحوثي الانقلابية، ويقول: "هذه الجماعة تتفنن في صناعة الموت لأبناء اليمن انتقاماً من الجمهورية اليمنية وأبنائها، وتسعى إلى إخضاع الشعب بالقوة والظلم والقهر والتجويع من أجل إقامة مشروعها المتمثل بالولاية "ولاية الفقيه"، حيث تنظر هذه الجماعة إلى أن السلطة حقٌ إلهي يختص بها فقط، وأن هذا الحق يمنحها حق السيادة وأن العامة عبيدٌ لها.

 

المتاجرة بقوت المواطن

قصة أزمة الغاز المنزلي باتت حديث الشارع، فالكل يتحدث عن هذه الأزمة المرتبطة بالحياة، ولا يمكن المساومة فيها كونها تقود إلى الموت جوعاً، وفي ذات السياق يروي المواطن حمزة المقطري ما يعرفه عن أسباب هذه الأزمة، ويقول: "ما أعلمه أن جماعة الحوثي تسعى إلى فرض مبالغ مالية لصالحها على مُلام محطات بيع الغاز المنزلي وبنسبة تفوق الأرباح التي تجنيها هذه المحطات بحجة دعم المجهود الحربي، وعملت على إيقاف أية ناقلات للغاز عن دخول العاصمة، كما أنها تحاول دغدغة مشاعر المواطن أنها تقوم بهذا العمل من أجل تخفيض سعر أسطوانة الغاز من 5200 ريال للأسطوانة إلى 3000 ريال، وهو أمر غير صحيح، خاصة أنها كانت في السابق هي صاحبة قرار بيع الاسطوانة بـ5200 ريال وتأخذ الفارق لصالحها، وكانت مؤخراً تريد رفع سعرها إلى ما يصل إلى 7000 ريال، كونها بحاجة إلى مزيدٍ من الإيرادات المالية، وعندما لاقت الرفض من قبل تجار الغاز عمدت إلى إبراز نفسها بأنها تعمل على خفض سعر أسطوانة الغاز."

 

 لا يختلف المواطن أمين حيدر عما يقوله المقطري، ويُضيف: "جماعة الحوثي تتاجر بقوت المواطن وتدّعي النزاهة، فأزمة الغاز هي من تفتعلها وتتنصل عن مسؤوليتها وترمي بذلك على أطرافٍ أخرى في حين أنها هي سلطة الأمر الواقع والمعنية بتوفير الخدمات للناس، لكنها تلعب الآن في المكشوف، وكما تبيع وتستحوذ على المعونات الغذائية وتحرم المواطن الفقير منها تعمد إلى محاربته في مختلف وسائل العيش."

 

بات المواطن يعرف تماماً ما تقوم به جماعة الحوثي الانقلابية من حرب يمس قوته ولقمة عيشه، وكيف تعمل على شن حربٍ خفية تقود إلى الموت، ومنذ ما يزيد عن ثلاثة سنوات من انقلاب جماعة الحوثي على الدولة وسيطرتها على مؤسساتها والمواطن يجني مزيداً من الأزمات، ولا تمتلك هذه الجماعة في رصيدها سوى اتساع المقابر وزيادة أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل والمزيد من الكوارث والأزمات.

 

الموت جوعاً والحوثي يتنصل

يشكو سُكان العاصمة صنعاء من غياب الغاز المنزلي، وكانت جماعة الحوثي قد فرضت على من يُعرفون بعُقال الحارات تسجيل كشوفات بأسماء سكان أحيائهم، وهو ما يقول عنه مواطنون أنه عمل أمني تسعى من خلاله جماعة الحوثي إلى فرض رقابة على سكان العاصمة ومعرفة أماكن سكنهم وبما يساعدها على معرفة خصومها ومعارضيها، ويقول أحد عقال حارات أمانة العاصمة فضّل عدم ذكر اسمه إن جماعة الحوثي ألقت بالمسؤولية على عُقال الحارات الذي يعيشون حالة التصادم مع المواطن، ويشير إلى أن مادة الغاز تتوافر بكميات شحيحة لا تلبي احتياجات المستهلك، وتم توفير اسطوانة لكل أسرة، ومنذ ثلاثة أسابيع لم تصل أية كميات أخرى في حين أن أغلب الأسر خاصة الكبيرة تحتاج إلى اسطوانة في الأسبوع الواحد، الأمر الذي يخلق مشاكل كبيرة أقلها الموت جوعاً نظراً لأهمية الغاز في إعداد الأكل.

 

وكان عُقال حارات العاصمة صنعاء قد أصدروا مؤخراً بياناً يرفضون تصرفات جماعة الحوثي التي تسقط مسؤولية توفير الغاز المنزلي عليهم، وتعمل على تحويل غضب الشارع من جماعة الحوثي الحاكمة نحو عُقال الحارات، ويقول البيان إن جماعة الحوثي والجهات التابعة لها كقيادة أمانة العاصمة وشركة الغاز لم توفر الكميات الكافية، وما يصل إلى عُقال الحارات لا يتجاوز ما نسبته 20% من الاحتياج الفعلي، فضلاً عن الفارق الزمني الكبير بين وصول الكمية الأولى والثانية.

 

وتشير المعلومات الصادرة عن شركة الغاز اليمنية الخاضعة للانقلاب الحوثي إلى أن استهلاك أمانة العاصمة صنعاء يصل في الأوقات الطبيعية إلى ما بين 25 إلى 27 مقطورة غازية بشكل يومي.

 

عودة زمن الاحتطاب

المواطن حسين الذماري يقول إنه بات غير قادر على مواجهة أزمة الغاز، فهو يحتاج شهرياً على الأقل ما بين 4 إلى 5 أسطوانات في حين أنه لم يحصل منذ ما يقرب من الشهر سوى أسطوانة واحدة، الأمر الذي اضطره إلى البحث عن بدائل تتمثل بـ "فرن الحطب"، إلا أن هذا البديل يبدو غير ممكن للكثير من السكان الذي يعيشون في شقق للإيجار نتيجة غياب المتنفسات التي يتطلبها فرن الحطب الذي تنبعث منه الأدخنة، وفي ظل هذه الأزمة الخانقة ظهرت مواقد صغيرة تتمثل بعلبة واسعة يتم حشوها بالجبس لحفظ الحرارة ويوضع داخلها مروحة تربط بالطاقة الكهربائية وفوقها يتم وضع الفحم وإشعاله وتستمر المروحة في إشعال الفحم وبه يتم طهو الطعام.

 

مُلاك الأفران والمخابز التقليدية هم أيضاً يعانون من غياب الغاز المنزلي، الأمر الذي اضطرهم إلى تشغيل هذه الأفران بالحطب، ويقول أحمد الصلوي -مالك أحد المخابز بصنعاء- إنه بات يعمل بالحطب، إلا أن عملية توفير الحطب صعبةً للغاية وأسعارها مرتفعة، مما يؤثر على دخله اليومي، إلا أنه يواصل العمل من جانب أخلاقي لتوفير لقمة العيش لزبائنه فضلاً عن مراعاة العاملين في المخبز خشية قطع أرزاقهم.

 

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية