محمد صلاح...الرقم الصعب في هجوم "الفراعنة" الذي يمنح الجماهير المصرية فرحة الانتصارات
تراهن مصر في مقابلتها بنهائي كأس الأمم الأفريقية 2022، التي ستجمعها مع السنغال الأحد، على نجمها محمد صلاح. أيقونة "الفراعنة" بات رقما صعبا في معادلة الهجوم المصري، ولا يمكن لا للدفاعات ولا للحراس فكها لحماية شباكهم من أهدافه. لقد أظهر العرس الكروي القاري أن مهاجم ليفربول له الفضل الكبير في النتائج التي حققها منتخب بلاده، ما رفع من أسهم شعبيته لدى عشاقه، ووسع من جماهير "الفراعنة" أفريقيا وعربيا وحتى عالميا. عودة على أبرز محطات هذا المبدع على المستطيل الأخضر.
لا يمكن الحديث عن منتخب "الفراعنة" دون استحضار اسم نجمه محمد صلاح. فالصورة التي ظهر بها في نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2022 أكدت مرة أخرى قيمة هذا اللاعب في منتخب مصر ودوره الكبير في وصوله إلى نهائي المسابقة الذي سيواجه فيه السنغال.
وكان مشهد الفرحة بهدف الفوز أمام المغرب في ربع النهائي، عندما جلس زميله محمود حسن تريزيغيه على إحدى ركبتيه ليقوم بحركة مسح حذائه، تجسيدا لما يحظى به أيقونة الكرة المصرية وسط زملائه من تقدير للمستوى الرفيع لعطاءاته على المستطيل الأخضر، وإسهامه الكبير في تحقيق النتائج الإيجابية إلى جانب الفراعنة.
وهذا الحضور القوي لمهاجم ليفربول الإنكليزي في منتخب الفراعنة، الذي يمثل أكثر من مليون مصري في العرس الكروي الأفريقي إضافة لجماهير شمال أفريقيا والعرب مع إقصاء باقي منتخبات المنطقة، لا يريد أن يتوقف عنده مدرب مصر البرتغالي كارلوس كيروش، لأنه من الأطر الفنية التي ترفض "فريق اللاعب الواحد".
لكن كيروش لم ينف أن أداء صلاح "كان رائعا" عندما سئل عما قدمه مهاجم ليفربول ضمن "الفراعنة" أمام المغرب مثلا، وإن كان مدرب المنتخب المصري يفضل الحديث عن "العمل الجماعي" في الوقت الحالي خاصة، على مقربة من تحقيق الحلم الأفريقي، كفلسفة منه للحفاظ على تماسك فريقه.
نجريج...الأرض التي أنجبت صلاح
بفضل اسم محمد صلاح، تحولت قرية نجريج في عمق دلتا النيل، بعيدا عن شمال غرب القاهرة بحوالي 120 كلم، إلى منطقة يعرفها القاصي والداني، لأنها بكل بساطة كانت هي الأرض التي أنجبت قدما ذهبية تبدع اليوم لصالح بلدها مصر ولفريق ليفربول أجمل الانتصارات.
ولد صلاح بهذه القرية في 22 حزيران/يونيو 1992. وتربى في أسرة رياضية محافظة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، إذ كان والداه يعملان في وظيفتين حكوميتين. كما كان والده يمارس تجارة الياسمين، وهو المحصول الرئيسي الذي يزرع في نجريج، ويتم تحويله في القاهرة إلى معجون قبل تصديره إلى روسيا وبعض دول أوروبا الغربية لاستخدامه في صناعة العطور.
برزت موهبة صلاح في مداعبة الكرة منذ الصغر، وهو ما أكده سعيد الشيشيني المشرف العام على أكاديميات نادي "المقاولون" المصري في تصريح سابق لوكالة الأنباء الفرنسية. لقد كان يملك "قدرة خصوصا على اختراق دفاعات الخصم والمرور بالكرة من منتصف الملعب حتى منطقة الجزاء". ويعد الشيشينى من المساهمين في نجومية صلاح بعد توجيهه بتغيير مركز لعبه من مدافع أيسر إلى مركزه الحالي في الهجوم الذي تألق فيه.
بعد خمسة مواسم قضاها مع "المقاولون"، اختار صلاح الاحتراف بأوروبا، والبداية كانت في 2012 مع نادي بازل السويسري، حيث أصبح في وقت قصير (عام ونصف) محبوب الجمهور المحلي. وتم اختياره أفضل لاعب بالدوري في موسم 2012-2013، ليلفت اهتمام مدرب ألماني اسمه يورغن كلوب. لكن صلاح قرر في 2014 التعاقد مع نادي تشلسي الإنكليزي، تحت إشراف المدرب البرتغالي جوزي مورينيو.
لم يمكث طويلا في تشلسي، وانتقل في 2015 إلى فيورنتينا الإيطالي على سبيل الإعارة. لكن رغم النجاح الذي ميز أداءه في منطقة توسكانا، قرر الفريق اللندني بيعه لنادي روما، حيث حقق موسما رائعا معه في الفترة ما بين 2015 و2016، وتم اختياره أفضل لاعب للنادي وأفضل هداف برصيد 15 هدفا فضلا عن تسع تمريرات حاسمة "أسيست".
وفي ختام موسمه الثاني في روما، انتقل المهاجم المصري إلى نادي ليفربول في صفقة بلغت قيمتها 42 مليون يورو تحت إشراف يورغن كلوب. وهو في عامه الخامس بضفاف نهر "الميرسي"، بزغ نجم صلاح عاليا إذ ساهم بقدر كبير في فوز فريقه بلقب بطل دوري أبطال أوروبا 2019 ولقب بطل الدوري 2020، كما أنهى موسم 2019 في صدارة هدافي "البرميرليغ" برصيد 22 هدفا بالتساوي مع زميله ساديو ماني.
وفي 10 كانون الأول/ديسمبر2020، وخلال مباراة فريقه ضد ميدتيلاند الدانماركي، أصبح ابن نجريج أفضل هداف في تاريخ نادي ليفربول في دوري أبطال أوروبا وصاحب أسرع هدف له أيضا في المسابقة القارية. وبعد موسم ناجح بتسجيله 31 هدفا في 51 مباراة، حقق حتى الآن نصف موسم ناجح مع فريقه ليفربول الإنكليزي بتسجيله 23 هدفا في 26 مباراة.
شعبية تجاوزت كل الحدود
تسلل صلاح إلى قلوب الجماهير المصرية والعربية ومعها عشاق ليفربول دون استئذان، وكانت وسيلته في ذلك الإبداع على أرضية الميادين وهز الشباك في مناسبات عديدة، ليحتل صدارة الهدافين الأفارقة في الدوري الإنكليزي، ويطيح بلاعب ساحل العاج ديديه دروغبا، المهاجم القوي السابق لنادي تشلسي، من الزعامة. وبالتالي لا نستغرب إن كانت هذه الجماهير تهتف باسمه على المدرجات دون كلل.
وهذا الحب الجماهيري من طرف عشاق النادي الإنكليزي، بلغ مستوى جنونيا، اختلط فيه الرياضي بالديني، جسدته هتافات محبين يرددون مثلا أن "صلاح هبة من الله، إذا سجل بضعة أهداف أخرى سأصبح مسلما".
واستقر صلاح في أفئدة المصريين منذ سنوات، خاصة خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية 2017 بالغابون بعد أن لعب دور البطل في تأهل الفراعنة إلى الدور النهائي، رغم خسارتهم بعدها أمام الكاميرون (1-2).
وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته، قاد الفراعنة لنهائيات كأس العالم 2018 للمرة الأولى منذ عام 1990. ويومها، قرر محافظ الغربية (شمال مصر) تسمية المدرسة الثانوية الصناعية بمدينة بسيون (التي تخرج منها صلاح في شبابه) باسم اللاعب، صاحب هدفي الفوز والتأهل.
ومع التأهل لنهائي كأس الأمم الأفريقية في الكاميرون، وصلت شعبيته لمستويات عالية في مصر والعالم المغاربي والعربي وعبر دول العالم. فأداؤه اهتز له نادي ليفربول أيضا الذي سارع إلى تهنئة "الملك" بالوصول إلى النهائي.
وغرد النادي الإنكليزي على حسابه الرسمي على تويتر بصورة لمحمد صلاح كتب فوقها: "إلى النهاااااااااااائي!.. تهانينا للملك محمد صلاح على وصوله رفقة المنتخب المصري إلى المحطة الأخيرة من كأس الأمم الأفريقية".
قدوة الأجيال الصاعدة
اسم صلاح، يعني الكثير بالنسبة للملايين من المصريين. فهو ليس فقط رمزا لمن أعاد للكرة المصرية شموخها أمام العالم، وانتهى الأمر، بل يجسد نبراسا من الأمل لأجيال جديدة في الصبر والعزيمة والجد والنجاح. وهذا، لربما شجع وزارة التعليم المصرية لإدماج اسمه في المقررات المدرسية، لكن هذه الخطوة كان لها منتقدوها.
فالمحللة السياسية بمرصد العالم العربي والإسلامي سوزان جبريل، قالت في تصريح سابق لفرانس24 عن هذه الخطوة، بأنها "رسالة ترويج يستخدمها النظام (المصري) لدواعي سياسته الداخلية والخارجية على حد سواء". وكان صلاح دخل في صراع مع الاتحاد المصري لكرة القدم في أبريل/نيسان 2018 بشأن استعمال الاتحاد صورته في عملية تتعلق بالرعاية من دون استشارته.
ويبدو أن صلاح يفضل أن يبقى بعيدا عن أي تأويل سياسي لتحركاته. فما يهمه أولا وأخيرا هو مواصلة تألقه، ولم لا أن يصبح "أفضل لاعب في العالم" كما عبر عن ذلك قبل أسابيع في تصريح له.
وقال صلاح بهذا الشأن: "بالطبع، هدفي هو أن أصبح أفضل لاعب في العالم، إذا سألتني ما إذا كان هذا دافعا لي لكل ما وصلت إليه، لا يمكنني الكذب، حقا وأقول بصراحة لم أفكر في الأمر، لا أفكر في ذلك، أريد أن أصبح أفضل لاعب في العالم".
وبعيدا عن السياسة، يحاول النجم المصري أن يكون حاضرا في الأعمال الاجتماعية والخيرية. فقد تبرع بتكاليف إنشاء وحدة عناية مركزة كاملة في مستشفى بسيون المركزي، وأنشأ أيضا مؤسسة نجريج الخيرية بقريته الأصل التي تقدم مساعدات شهرية للمحتاجين.
وستزيد شعبيته لا محالة إن عاد بالكأس الأفريقية إلى مصر. النزال سيكون في غاية الصعوبة أمام السنغال، لكن ذكاء وسرعة وخفة حركات صلاح في المراوغة والتسلل إلى منطقة جزاء الخصم، كلها عوامل ترشحه لأن يسرق أكثر قلوب المصريين ومعهم عشاقه عبر أرجاء المعمورة. فهل يوفق في هذه المهمة إلى جانب زملائه؟
المصدر: أ ف ب