سندع جانبا الأرقام التي سوقها التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان ومنظمات دولية غير حكومية عن الجرائم المتعلقة بحرية الفكر والرأي والتعبير التي ارتكبتها جماعة الحوثي الإرهابية، فقد عرض التحالف وتلك المنظمات خلال الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التي عقدت بجنيف، نماذج من الانتهاكات التي تقوم بها جماعة الحوثي الإرهابية ضد الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، فضلا عن ما تقوم به ضد الناشطين والمدونين في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لأسباب مفهومة تحاشت تلك الجهات ذكر جرائم أخرى ارتكبتها الجماعة في المجال نفسه، وسنقتصر على ذكر نماذج من الانتهاكات تتمتع بقدر كبير من المصداقية، وتدعمها الشواهد.

 

في مطلع يناير الماضي أكدت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين ( صدى )، أنها وثقت 2250 حالة انتهاك مختلفة طالت الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام ومؤسساتهم ارتكبتها جماعة الحوثي الإرهابية بحلول نهاية ديسمبر 2017، في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وقبل نحو ثلاثة أشهر عرض  مسئول التدريب في نقابة الصحفيين اليمنيين أن جماعة الحوثي الإرهابية قتلت 20 صحفيا وأخفت 42 آخرين منذ سبتمبر2014.. وفي حقيقة الأمر كانت تلك معلومات قديمة نسبيا، فما ارتكبته الجماعة من جرائم القتل والتعذيب، وتقييد حريات، وملاحقة تتعلق بحرية الرأي والتعبير يفوق ذلك كثيرا..

وما سبق ذكره وما سنأتي إلى ذكره بعد قليل عن تلك الانتهاكات يقتصر على المسجلة منها فقط، بل يقتصر على الشائع منها، إذ أن ما خفي هو الأكثر، بحكم أن الآليات اليمنية لمتابعة وتسجيل الانتهاكات تواجه تعقيدات كثيرة في الواقع اليمني في الظروف السائدة، وكذلك على المستوى الدولي هناك صعوبة أيضا، وقد أشار إلى هذا الدكتور عبد الوهاب الهاني عضو لجنة مكافحة التعذيب التابعة للأمم المتحدة حيث اعترف أن الآليات الدولية لحقوق الإنسان تواجه حاليا معضلة في التعامل مع الانتهاكات المرتكبة في المناطق التي تسيطر علها الجماعة المسلحة حسب تعبيره، أي مليشيات الحوثي الإرهابية، وقال الدكتور الهاني أن الحكومات عندما ترتكب انتهاكات لحرية الرأي والتعبير وتضطهد الصحافيين أو تعتقلهم أو تعذبهم لإسكات أصواتهم فأنها تتعرض للمساءلة من قبل الآليات الدولية لحقوق الإنسان كمجلس حقوق الإنسان أو اللجان الخاصة المعنية بمكافحة الانتهاكات، وعندما تصبح الجماعات المسلحة سلطة أمر واقع في مناطق معينة- كما هو الحال بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي- تحكم بقانون الغاب وتسفك الدماء، ومع ذلك لا تتعرض للمساءلة، حيث لا تمثل أمام الآليات الدولية القائمة على تلك المسائلة، وبالطبع هذا لا يعني أن هذه الجماعة ستبقى بعيدة عن المساءلة ذات يوم.

 

ومثال حي على تلك الانتهاكات- وهذا ما نؤكده يقينا- هو سطو مليشيات الحوثي على وسائل إعلام المؤتمر الشعبي العام.. فقد وضعت الجماعة يدها على قناة اليمن اليوم الفضائية، ووضعت جميع الإعلاميين في الحجز لمدد طويلة دون مبرر، وحظرت نشر صحيفة الميثاق، وحجبت موقع المؤتمر نت وموقع الميثاق نت، كما حجبت الإذاعتين المحليتين: اليمن اليوم، ويمن إف إم،  وسيطرت على مقرات صحف المؤتمر ومنها صحيفة الميثاق، والمركز الإعلامي وحتى وكالة خبر بجريرة أنها مقربة من المؤتمر الشعبي.

وعلى المستوى العام كان عدد الصحف اليمنية اليومية والأسبوعية يعد بالعشرات قبل طغيان هذه المليشيات، والآن لم تعد تصدر سوى صحف الجماعة ومواليها، أو من يخضعون لوصايتها، وسنورد بهذا الخصوص الشاهد التالي: في يوم 3 ديسمبر2017 أصدرت وزارة الإعلام في صنعاء بيانا بشأن قناة "اليمن اليوم" الفضائية، نورد نصه كما نشرته وكالة"سبأ" التابعة للحوثيين. الوزارة التي كان يديرها الوزير الحوثي أحمد حامد، ساقت للشعب اليمني خبر الجرم الفادح الذي قدمته للشعب وكأنها بشارة، قالت الوزارة:  شعبنا اليمني العظيم في ربوع الجمهورية اليمنية، أننا في خضم هذه المرحلة الحساسة من عمر الوطن، وفي ظل تكالب العدوان الخارجي ومنافقيه في الداخل، ونظراً للأدوار السيئة والسلبية التي لعبتها أبواق الفتنة والتحريض ضد الوطن والمواطن، يسرنا في وزارة الإعلام أن نعلن لشعبنا اليمني العزيز بأن الله عز وجل قد وفق شعبنا وأجهزتنا الأمنية لإسكات أبواق الفتنة، ونؤكد لكافة أبناء الشعب بأن الوزارة منذ هذه اللحظة ستشرف على قناة اليمن اليوم لضمان تأدية الدور الإعلامي المنشود منها ومن كافة الوسائل الإعلامية الوطنية، دعماً للجبهات، وتعزيزاً لحالة الصمود، ورفضاً للفتنة والعمالة للخارج، وتقمص دور المطية للمحتل الأجنبي، ونعد جماهير القناة بأن يكون هناك نقلة نوعية على المستوى البرامجي والفني لشكل ومضمون الرسالة الإعلامية عبر قناة اليمن اليوم، ونسأل الله أن يعيننا على تقديم الرسالة التي تليق بطموحات وتضحيات شعبنا اليمني العزيز، وان نجعلها جبهة حقيقية في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي الغاشم. وندعو كافة الوسائل الإعلامية للتحلي بروح المسؤولية وتقديم الرسالة الوطنية المناهضة للعدوان الجامعة للصف الوطني كما تقتضي المرحلة والله من وراء القصد... أنتهى الخبر، ونترك تقييم محتواه للقارئ.. كذلك الأمر بالنسبة للقنوات التلفزيونية الحكومية، فقد سيطرت عليها الجماعة، سيطرة تامة، ونفس الشيء حدث مع الصحف الحكومية، ولعل من يقرأ الصحيفتين الحكوميتين الثورة والجمهورية اللتين تحرران وتطبعان في صنعاء، ويتابع وسائل الإعلام الحكومية التي تبث من صنعا أيضاء قد لاحظ أنها تنضح بالخطاب الإعلامي والسياسي والثقافي للجماعة حتى أن استخدامها في خدمة الأغراض الخاصة للجماعة يتفوق على الوسائل الإعلامية والصحف الخاصة بها مثل قناة المسيرة، بالرغم من أنها وسائل إعلام حكومية، يفترض أن تعبر عن المجتمع وليس عن جماعة مخصوصة. وإضافة إلى ذلك عززت الجماعة الحوثية قدراتها الإعلامية الخاصة بإنشاء إذاعات خاصة بلغ عددها 19 إذاعة حتى بداية هذا العام، أما وسائل الإعلام الألكتروني الوطنية والعربية والدولية التي لا تروق للجماعة، فأنها قد اتخذت تدابير تجعل متابعتها أمر غير ميسور لجمهور. وفي كل ذلك تتذرع الجماعة بالحرب، بينما هذا التوجه هو تعبير صريح عن الثقافة الاستبدادية لهذه الجماعة التي لا تقبل رأيا غير رأيها ولا تطيق سماع صوت غير صوتها، ولا تعترف بالتعددية والحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية للإنسان اليمني.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية