باكرًا عاد داوود من البحر في يومٍ ملئ بالخيبات، لم تجنِ شباكه ما تاق إليه من الأسماك فعاد خالي الوفاض يقصد طلب الراحة في منزله بعد أن ارهقه التعب؛ وعند بوابة خيمة من القش ألقى ظهره على سعف النخيل المنظوم على قوائم من الخشب ليستريح من عناء يومه.
 
كان داوود ذو السابعة عشرة من العمر يفكر مليئًا كيف يصنع لكسب رزق أسرته في اليوم التالي، عند بوابة الخيمة بقي على انتظار طعام الإفطار الذي كان على وشك التجهيز في خيمة الطبخ، وثمة أخذ يستغل الوقت بملاعبة اخته الصغيرة ذات العام ونصف، ومن بعيد كان قناصٌ حوثي يرقب بناظور الموت كل ما يحدث في المكان.
 
دنا داوود برأسه قليلًا لملاطفة الصغيرة التي تقعد لاهيةً في حجره، وقتها كان القناص الحوثي يثبت البندقية لبدء الاستهداف؛ هي لحظاتٌ فقط حتى تحررت الرصاصة الغادرة من حجرة الانفجار آخذةً مسارها بعناية نحو الهدف، لتخترق عنق داوود ولتخرج من أسفل عينه.
 
ضرج الدم ثياب داوود وشقيقته الرضيعة التي أجهشت بالبكاء عندما كان اخوها يلفظ آخر أنفاسه، أما الرصاصة التي نفذت من وجه الفتى سكنت داخل خشبة تقوّم كرسيًا تقليدًا في داخل الخيمة لتبقى هنالك آداةً للجريمة التي اقترفها الحوثيون ظلمًا بحق طفل لا ذنب له.
 
تفاصيل الجريمة هذه وقعت في بلدة المُتينة التابعة اداريًا لمديرية التحيتا، شاع خبر الحادثة في الأرجاء وعلم بها سائر الناس الذين استشعروا صدمة الخسارة في هذه الفاجعة الأليمة، خاصة أم داوود وأشقاؤه الذين كانوا يعوّلون عليه في فكِّ عُقدِ معيشتهم وإسنادهم في حياة البؤس والشقاء.
 
لقد سارعت فرق طبية للقوات المشتركة لإسعاف داوود بمجرد أن ارتفع العويل والنحيب من موقع الجريمة، إلا أن الموت كان قد انتزع روح الفتى لحظة أن اخترقت الرصاصة رأسه، ومع ذلك اُسعف إلى المستشفى بحثًا عن بصيص أملٍ قد يصنعه ملائكة الرحمة؛ إلا أن شياطين الموت (الحوثيين) كانوا قد تفننوا في إطفاء روحه عاجلًا إلى الأبد.
 
عندما زار والد داوود المستشفى يفتش عن فتاه الضحية، لم يجد له أثرًا على أسرة الرقود،  لاحظ في مدخل الطوارئ دمًا طريًا ساقته علاماته إلى حيث يرقد ابنه وقد كُفّن لنقله إلى مثواه الأخير، ودعه هنالك بالتقبيل والبكاء والدعاء، وأخذه تباعًا مع المُحبين والأهل شهيدًا يزف إلى موطنه الأخير.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية