قال خبراء عراقيون إن مساعي إجراء الحوار الوطني في البلاد، ستواجه بـ30 مليون قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة.

وتأتي مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، استجابة وتفاعلاً مع الزيارة التاريخية لبابا الكنيسة الكاثوليكية في العالم، إلى اليلاد خلال الأسبوع الماضي، ودعواته في تحقيق بيئة سياسية واجتماعية آمنة تضمن التعايش بين مختلف المكونات والمذاهب والطوائف.

ومع التسليم بأهمية اعتماد الحوار وثقافة الرأي والرأي الأخر في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية وكبح جماح الأفكار المتطرفة التي تسود الواقع السياسي العراق منذ أكثر من عقدين، إلى أن هناك ضرورة لتأسيس أرضية صلبة تقوم على أساسها التفاهمات بين مختلف القوى والكيانات الحزبية، بحسب مراقبين.

ويرى المحلل السياسي العراقي علي الكاتب، أن غالبا ما تكون الحوارات الوطنية "مداخل أساسية لبناء مواقف مختلفة تنسجم مع الصالح العام، وبما لا يتقاطع مع مفردات المواطنة والدولة، لكن شرط أن يحكمها في إطارها العام قوة السلطة وقدرتها على مسك القانون وتطبيقه".

ويوضح الكاتب لـ"العين الإخبارية" أن "مفاهيم الحوار بشكلها العام في الحقيقة مظهرات لإرادة واعية جُلّها البناء والحريات، غير أن تبقى تلك المفردات عائمة دون ضابط تقني ومؤسساتي يحكم المتحاورين، سوف لن يكون أكثر من إضاعة للوقت واستهلاكاً للجهود".

ويشير إلى أن "القوى السياسية وخصوصا ذات الاجنحة المسلحة، لها اليوم السيادة والريادة على الشارع، وبات صوتها مسموع فضلاً عن تفشي مظاهر اللادولة وتراجع دور المؤسسات".

وسعى الكاظمي منذ وصوله إلى السلطة في مايو/آيار الماضي، إلى تفتيت قوى اللادولة والوصول إلى عمق مليشيات الفساد والسلاح المنفلت عبر حملات عديدة وصفت حينها بـ"الجريئة والشجاعة".

غير أن نتائج تلك الجهود المبذولة منذ 10 أشهر، لم تظهر انعكاساتها بالشكل المأمول والمطلوب وبما يرضي الجماهير الغاضبة، كما يقول الناشط العراقي حسين طاهر.

ويؤكد طاهر لـ"العين الإخبارية"، أن "بنادق الموت ما تزال تهدد النشطاء وقد نزفت ساحات الاحتجاج منذ أكتوبر 2019، دون أن تكشف أجهزة الدولة عن أسماء الجناة، المعروفين من قبل الجميع".

ويتساءل عما "إذا كانت تلك المليشيات قادرة على مواصلة جرائمها دون خوف من قوة السلطة، فكيف لها اليوم أن تذعن لحوار وطني تكون فيه الحكومة الطرف الأضعف فيه". طاولة الحوار

ويرى مختصون بالشأن العراقي، أن قضايا الحوار الوطني ومشاريع الجلوس إلى طاولة النقاش، يجب أن تسبق بتعريف جميع الأطراف بحسب أوزانهم في المشهد، بمعنى أن يكون هناك طرف رئيسي حاكم وآخرين محكومين لا أن تتبادل الأدوار وتشرعن القوى المنفلتة بشكل رسمي.

ويوضح الأكاديمي العراقي والمختص في قضايا الأمن الوطني حسين علاوي، أن "العراق يطفو على ترك كبيرة وثقيلة من السلاح الذي ورثه عبر مراحل مضطربة عديدة منذ عام 2003، وليس انتهاء بمرحلة تحرير المدن من سيطرة تنظيم داعش، وهو ما يفرض في تداعياته على شكل الحوار الوطني، وأهميته، والجدوى من ذلك الأمر".

وشدد علاوي خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، على ضرورة تفكيك ما أسماه بـ"الأحجية"، وكيف الجلوس إلى طاولة حوار تؤسس لدولة واحدة بسلاح وطني واحد.

وبشأن إمكانية تحقق ذلك الأمر، يشير الأكاديمي إلى أن "الكاظمي والمعالجات من الداخل ليس كافية لتقوية القرار السيادي وإفراغ جيوب المليشيات من المال والسلاح غير الشرعي، وإنما الأمر متعلق بتحرك خارجي كون أن تلك القوى لها أغطية سياسية وامتدادات إقليمية ودولية".

ويلفت حسين علاوي إلى "أهمية الحوار الوطني، ولكن شريطة أن تكون الدولة ذات الثقل الأكبر في النقاش وفي فرض الإرادات".

وفي الشأن ذاته، يؤكد الأكاديمي العراقي إياد العنبر، أن "الحوار دائماً مع أطراف إما تكون متوازية أو أنها لديها رغبة بالتنازل إزاء قضاء مصيرية وعاجلة، ونحن نتحدث جماعات تمتلك السلاح وهي صاحبة السلطة الأعلى في البلاد والحلقة الأضعف بين ذلك الجمع هو الناشط والمواطن والحكومة".

ويشدد العنبر لـ"العين الإخبارية": "يجب أن تكون الحكومة، الصوت المسموع بين قوى اللادولة والدولة ومن المفترض أن تكون صاحبة قدرة على تطبيق مخرجات الحوار"، مطالباً "بتوقيف جميع المظاهر المسلحة والسيطرة على عمليات النهب والفساد حتى نستطيع بعدها نؤسس لحوار وطني متوازن".

ويشكل السلاح المنفلت، العقبة الأكبر التي تواجها الحكومات المتعاقبة على سلطات العراق منذ 2003، إلا أنها استشرت بشكل كبير في العقد الأخير حتى باتت مخازن الأسلحة والعتاد محشورة بين المناطق المأهولة بالسكان.

ويتوزع السلاح المنفلت بين ثلاث جهات في العراق، بعضها مكدس بيد أفراد العشائر والقبائل والآخر عند عامة الجمهور، فيما يشكل أخطرها وأكثرها تهديداً للسلم الاجتماعي ما تحتكم عليه الفصائل والمليشيات المسلحة التي اغلبها يرتبط بالنظام الإيراني.

وكانت تقارير أمنية تحدثت في وقت سابق، أن الأوضاع في العراق ما تزال عند مستويات الخطر، وأن هنالك أكثر من 30 مليون قطعة سلاح تتحرك خارج الدولة.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية