مغامرات غير مسبوقة، منذ إبرام اتفاق ستوكهولم قبل قرابة سنتين، أقدم الحوثيون عليها الأيام الأخيرة في الساحل الغربي، ونالوا خلالها انكسارات وهزائم حولت مزاعم "قوة القوة" إلى واقع "ذلة الذلة"، وألقت في غياهب الموت مساعي تعويض انتكاسات الجوف ومأرب بانتصارات معنوية يعيدون بها اعتقادات "التأييد الإلهي" التي اجتهدت قياداتهم على غرسها في مدى سنوات.
 
انتهاكات مليشيا الحوثي لهدنة ستوكهولم الأممية قائمة من ساعات إبرامها الأولى ، دون أن تقتصر على عمليات إطلاق النار على مواقع القوات المشتركة ومواصلة زراعة الألغام، متجاوزة ذلك إلى الاعتداء على منشآت صناعية وزراعية وخدمية، خاصة وعامة، وغير هذا وذاك استهداف المدنيين في مساكنهم وأرواحهم حتى أحصت تقارير متخصصة قرابة 2600 ضحية مدنية، ما بين قتيل وجريح ومعاق، أكثرهم نساء وأطفال. أما المنشآت الخدمية فقد دمرت المليشيا مرافق صحية وتعليمية وأتلفت شوارع وطرقات، ووصل الأمر بها إلى تدمير مشاريع تزود المواطنين بمياه الشرب، وتمادت باستهدافها الشهور الأخيرة أعمال إعادة إنشاء وتأهيل مشاريع ماء للسكان، كما حدث من إطلاق عشرات القذائف المدفعية أثناء الحفر والتمديد لشبكة مياه حيس.
 
الجديد في التصعيد الحوثي الأيام القليلة الفائتة أنه انتقل بالعمليات العسكرية إلى ما قبل ستوكهولم من حيث سعة الهجوم في عدد المقاتلين وكمية ونوعية العتاد المستخدم واستهدافه خطوط تماس طويلة مع القوات المشتركة في مدينة الحديدة ومديريتي الدريهمي وحيس، على وجه الخصوص.
 
راهن الحوثيون على عنصر المفاجأة والعدد والعُدة وتوقف الحرب الشاملة في الساحل منذ الاتفاق المشؤوم، معتقدين بحالة خمول قد تساعدهم في تحقيق اختراقات، إلا أنهم اصطدموا بيقظة واحترافية مقاتلي القوات المشتركة الذين ابتلعت نيرانهم نحو 350 عنصرا حوثيا ما بين صريع ومصاب في أقل من ثلاثة أيام، وتحول الساحل إلى "برمودا" يمني للمليشيا الموالية لإيران.
 
كشفت معارك الساحل الحديثة عن مدى صلابة جبهة المشتركة على طول خطوطها، والتلاحم الكامل لمكوناتها من مقاومة وطنية- حراس جمهورية، وألوية عمالقة، وألوية تهامية، ومستوى من الوعي المتميز بأبعاد الحرب الوطنية الجمهورية وعدالتها بعيدا عن شعارات قيادة القطعان التي تمارسها المليشيا الحوثية للتغرير بأتباعها وإلقائهم في مستنقعات الموت غير آبهة بدماء مقاتليها والتضحية بالمئات مقابل التقدم بضعة مترات، لم تنلها في الساحل، لاصطياد نصر كاذب تحتفل به أدوات التعبئة ووسائل الإعلام الخاصة بها لإعادة بث روح معنوية مكسورة، وحشد مقاتلين جدد أو إرجاع فارين إلى ساحات القتال.
 
المثير للسخرية والضحك أن المليشيا حاولت تغطية هزائمها المذلة بإثارة زوبعة فنجانها المشروخ بشأن ما وصفتها بعلاقات النظام السابق بإسرائيل، وبدلا من تقديم إجابات حفزت الكثير من الأسئلة، وأعادت لذاكرة اليمنيين علاقات النظام الإمامي في عهد أحمد حميد الدين بالكيان الصهيوني عبر مساعدته المجانية للوكالة اليهودية بتهجير 50 ألف يهودي يمني إلى دولة إسرائيل الناشئة من بين 52 ألفا إجمالي يهود اليمن حينها في عملية "بساط الريح" الشهيرة، بينما ما تسميه النظام السابق لم يذهب أمام الضغوط الأمريكية والدولية الهائلة نحو أي استجابات حقيقية وفعلية لتلبية أية مصالح إسرائيلية، لا دبلوماسية ولا عسكرية ولا اقتصادية ولا غيرها، وظل محتفظا بثبات موقفه الداعم للقضية الفلسطينية وفتح البلد لمختلف فصائل النضال الفلسطيني وما لا يحصى من المواقف السياسية والمالية الداعمة لفلسطين والفلسطينيين، وما زال المجمع السكني الفلسطيني في العاصمة صنعاء الذي طرد بعض الفلسطينيين منه في العهد الحوثي، وكذا معالم معسكر صبرا وشاتيلا جنوبها، شاهدين من بين مئات الشهود الآخرين.كل هذا وغيره، دون شعارات خادعة مثل تلك التي رفعها أئمة الحوثيين في طهران على خلاف ما يبطنون كما دلت فضيحة "إيران جيت" إبان الحرب العراقية الإيرانية، وكما ذهبت لبنان قبل أيام من إعلان اتفاق إطار لترسيم الحدود مع إسرائيل، وهو البلد الذي لا يتنفس بدون رضا حزب الله ومن ورائه مباركة إيران.
 
وكمؤشر على قيمة القضية الفلسطينية واستغلالها شعاراتيا كغيرها من القضايا أن النهيق الحوثي في حقيقته مارس "النحنحة" لتغطية هزائمه في الساحل، إذ لم توكل المهمة لمتحدث الحكومة الحوثية أو للناطق الرسمي للمليشيا نفسها، وإنما تولاها المتحدث العسكري للمليشيا في تأكيد أن الإثارة تأتي في سياق عسكري لا صلة له بمبدأ، استمرارا في أساليب التعبئة البائسة لقطعانها، بأن قتالها في الحديدة والساحل هو قتال لإسرائيل، باعتبار أن من لقنوها دروسا قاسية مؤخرا يمثلون بمكون رئيسي امتدادا لانتفاضة 2 ديسمبر بقيادة رأس "النظام السابق" الشهيد علي عبدالله صالح.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية