الزائر لمنطقة الحيمة في التحيتا بمحافظة الحديدة غربي اليمن يجدها قد فتحت ذراعيها منذ أن تجاوزت الحرب ضواحي الخوخة لتكون مستقرًا لمن تقطعت بهم السبل، وضاق بهم الحال، وازداد بحقهم بطش المليشيا  الحوثية وجبروتها، فجاءوا من كل حدبٍ وصوب تجمعهم المعاناة وتؤويهم الحيمة في مخيمات تمتدُ على مرأى العين.
 
 
ذات يوم في مدينة التحيتا، كان عبدالله نجل الأستاذ عزي في مأمن بمنزلهم عند الساعة الثامنة مساء، يتبادلون الحديث الودي، ثم حطت قذيقةٌ للحوثيين في الحي، من حسن الحظ لأسرة عزي، أنها لم تسقط في منزلهم، ولسوء الحظ أنها سقطت في منزلٍ مجاورٍ تبين لاحقًا أنه منزل أبناءِ العمومة.
 
سارع عبدالله وأبيه في مهمة المنقذين لتفقد الأسرة المنكوبة، وانتشال الأقارب من تحت الأنقاض، لم يصلوا بعد، حتى جاءت القذيفة الثانية بين الجموع، قتل الأب الذي كان إلى قبل دقائق من الحادثة منقذًا لمن نكبوا.
 
على ساق عبدالله لا تزال ندوب الإصابة في مواضعها، حركته خرجت عن وضعها الطبيعي، وأصبح عالة على الأسرة، بعد أن كان معاونًا للراحل أبيه، وبهذا المُصاب الجلل، دخلت الأسرة حيز المعاناة الأبدية في حضور الحرب الظالمة التي قست في جرائمها وطغيانها.
 
خضب الجميع بالدم، كانت إصابة الأب في ظهره وتوفي على إثرها بعد لحظات، وثمة شخص آخر من أقارب عبدالله أصيب في فخذه وظل ينزف حتى فارق الحياة.
 
عندما تدخلت سيارة إسعاف تابعة للقوات المشتركة لإجلاء الضحايا، تعرضت لإطلاق نار من قبل الحوثيين، وعندما لم يحالفهم الحظ بقنص السائق والمصابين، وجهوا قذيفة هاون سقطت خلف السيارة ببضع أمتارٍ حتى دفنتها بالغبار، لكن حنكة السائق أخرجت المصابين في النهاية إلى بر الأمان.
 
 زوجة العزي، هي من تشعر بالخسارة الكبرى، ضاعت من يدها الحيل وهي تكافح منذ مقتل زوجها، لترعى أولادها في مخيمات النزوح، الذين كانوا في رعاية الأب في السابق، واليوم أمانةً في عطفها وحنانها، وواجبها كأمٍ لأبناء لم يبقَ لهم إلا هي.
 
تتجاور الام في الخيمة التي صارت منزلها ومستقبلها منذ إتيانها إليها، مع أسرٍ كثيرة جاءت من التحيتا، فالكل في الحيمة ذاقوا نصيبهم من ويل الحوثيين، وما في أمنياتهم إلا نهايةً للحرب وانتقامًا ممن ظلموا، وعودة سالمةً إلى الديار.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية