قبل وفاته، اضطر الخميني، مرشد إيران السابق إلى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع العراق بعد حرب دموية استمرت ثماني سنوات بين البلدين، ووقتها، قال الرئيس الإيراني إن "تجرع السم" كان أهون عليه من توقيع الاتفاق الذي اعتبر نصرا للعراق على جارته اللدودة.
 
خلال الحرب، قتل مئات آلاف العراقيين، الكثير منهم لا تزال جثامينهم مسجاة في أراضي المعركة، كما أن خسائر المعركة الاقتصادية المباشرة وصلت إلى 350 مليار دولار.
 
لكن الخميني سيكون مصدوما، ربما، لو تمكن، بطريقة ما، من أن يرى العاصمة العراقية بغداد وباقي المحافظات الأخرى وهي تغص بصوره والأعلام الإيرانية، التي يرفعها عراقيون من أنصار الميليشيات التي تدعمها طهران.
 
ولو افترضنا أن النظام الإيراني سقط، ولايزال العراق تحت حكم صدام حسين، فهل يرضى الإيرانيون الذين عانوا، بدورهم، من ويلات الحرب رفع صورة صدام  أو هل تسمح أي سلطة جديدة في إيران بتمدد النفوذ العراقي في البلاد، كما شرعت ميليشيات وأحزاب عراقية أبواب وطنها للتمدد الإيراني. 
 
وترفع ميليشيات مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وخراسان وثأر الله، وكثير غيرها صورة الخميني إلى جانب شعاراتها وأعلامها، بالإضافة إلى جداريات كبيرة تظهر الخميني والمرشد الإيراني الحالي، علي خامنئي، مرفقة بعبارات منسوبة لهما.
 
وتزداد هذه الصور في "المواسم" الإيرانية الهامة، مثل يوم القدس، الذي تحتفل به إيران آخر جمعة من كل رمضان.
 
وبعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، ازدادت مرة أخرى أعداد صور الخميني التي تظهر غالبا في خلفية صور سليماني، التي يرفعها عناصر الميليشيات التي تدين بالولاء له.
 
ويقول مدون عراقي طلب عدم الكشف عن اسمه إن "إيران تتصرف على أنها انتصرت في العراق، ورفع الصور يشبه رفع أعلام المنتصر على الأرض التي احتلها".
 
وفي الحقيقة فإن إيران، بعد 32 عاما من "تجرع خميني للسم" تبدو منتصرة فعلا، وهي لا تبدو قلقة من التباهي بهذا علنا عبر نشر ميليشياتها آلاف الصور للخميني وخامنئي في شوارع بغداد، بل وحتى في مكاتب مسؤوليها.
 
ويضيف المدون لموقع " و كان صدام هو المنتصر، فإنه من المستبعد أن يرفع الإيرانيون صوره حتى لو كانوا من أشرس معارضي خميني ونظامه".
 
ويبدو هذا صحيحا، لإن مقار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في العراق، خلت من أية صورة لصدام وأفراد نظامه حتى حينما كان هذا النظام يستضيفهم ويقدم لهم دعما وحماية غير محدودين.
 
كما أن صدام لا يظهر في أي مكان في موقع المنظمة، أو في إصداراتها الإلكترونية والمرئية على الرغم من وقوفه إلى جانبها.
 
وقد يكون السبب في هذا هو أن صدام مسؤول عن مقتل نحو مليون إيراني في الحرب، وبحسب المدون الذي تكلم  "ذاكرة الإيرانيين تبدو أفضل من ذاكرة العراقيين، لأنه لو رفع أحد صورة صدام أو أركان نظامه في إيران فسيعتبر خائنا لأنه رفع صورا لأشخاص حاربوا إيران، ولكن في العراق، يهاجم من يمزق صور من حاربوا العراقيين وقد يتعرض إلى القتل، وهذا يعطيك صورة واضحة عمن انتصر أخيرا وأخضع الثاني في حرب السنوات الثمان".
 
وليس صدام فقط، بل إن الإيرانيين لا يرفعون حتى صور العراقيين المتعاونين معهم، ويقول المتخصص في الدعاية والحرب النفسية سالم أحمد لموقع "الحرة" إن رفع الصور يمثل تأشير "مناطق السطوة والنفوذ" بالنسبة لرافعيها.
 
ويضيف أحمد "لن تجد صورا لقادة عراقيين في إيران، وحتى قيادي بمستوى أبو مهدي المهندس الذي قتل مع سليماني في غارة واحدة وخدم الإيرانيين طوال حياته، قد تجد له صورة أو صورتين صغيرتين، لكن لا مقارنة أبدا مع حجم انتشار صور الإيرانيين في العراق".
 
 
 
الصور لا تبقى طويلا
 
ويقول الصحفي العراقي أحمد حسين إن "صور القيادات الإيرانية أصبحت أمرا معتادا في بغداد، كما إن مكاتب طباعة الصور الجدارية الكبيرة بدأت تتحضر للمناسبات الإيرانية بطباعة مزيد من الصور، فهو موسم مربح بالنسبة إليها".
 
وبحسب حسين، فإن "هذه الصور لا تبقى طويلا عادة، وتتعرض للتمزيق بمجرد مرور أيام على تعليقها".
 
وشهدت فترة التظاهرات العراقية رواجا في صور القادة الإيرانيين أيضا، ولكن لسبب مختلف.
 
فالمتظاهرون اعتادوا على رفع صور المرشد وسليماني وغيرهم من الإيرانيين أو العراقيين المرتبطين معهم، وتمزيقها أو إحراقها في ساحة التحرير بشكل علني، بعد أن كان التمزيق يجري بصورة سرية خوفا من سطوة الميليشيات الإيرانية.
 

وظهرت صور خميني وخامنئي بعد يوم واحد من اشتعال مواقع التواصل الاجتماعية العراقية، الإثنين، بالردود على خطاب المرشد الإيراني علي خامنئي الأخير، الذي قال فيه لطلبة إيرانيين إن الولايات المتحدة "ستطرد" من العراق وسوريا.
 

وردا على ما اعتبره العراقيون تدخلا في شؤون بلادهم أطلق ناشطون وسم  لزم حدودك خامنائي (التزم بحدودك) الذي أصبح أحد أكثر الهاشتاغات تداولا في العراق في وقت قصير بعد أن كتب فيه الآلاف ردودا هاجموا فيها المرشد الإيراني.
 
المصدر: الحرة

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية