تحرص الحركات الدينية السياسية، والحوثي منها، على بناء إيديولوجياتها وشرعنتها باستعارة نصوص دينية تؤولها، وإن بشكل تعسفي، بما يخدم توجهاتها وتحركاتها.
 
شهد العالم الإسلامي بما في ذلك اليمن ظهور ما عرف بالسلفية الجهادية وتجلياتها بتنظيمات عدة فيها القاعدة وداعش، ومن اليمن برزت، عمليا، الشيعية الجهادية معبرة عن نفسها بالحركة الحوثية، ويجمع بين التيارين السلفي والشيعي الجهاديين أن عملياتهما تتسم بالإرهاب والتركيز على المجتمعات المسلمة في انتهاج مسار التدمير والهدم، وجميعها استعانت بنصوص من القرآن والحديث تطابق بين مفهومي الجهاد والقتال من جهة، ومن جهة ثانية تلغي الاختلاف الهوياتي بين المسلم وغير المسلم، وكيفية التعامل مع كل منهما سواء في إطار الدولة الإسلامية أو خارجها وجعل الحالة الجهادية تنطبق على المسلم وغيره، دون أن يعني هذا،  في الحقيقة الدينية، أن العملية الجهادية القتالية في النص القرآني، خصوصا، غير مضبوطة بمحددات دفاعية وملابسات ترتبط بموقف الطرف غير المسلم، ليس بسبب اختلافه الديني وإنما على أساس موقفه العدائي أو المسالم للدولة المسلمة، وهذا الموضوع شائك في تفصيلاته وليس مكان نقاشه هذه السطور.
 
كلمة جهاد في القرآن أوسع من لفظة قتال في دلالتها، كما يقول الله " وجاهدهم به جهادا كبيرا" أي بالقرآن كسلاح فكري، ويقول " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، وكثير من آيات القرآن المتضمنة لفظة الجهاد ومشتقاتها وردت في سور مكية وخلال العهد المكي الذي خلا من أي أعمال قتالية إسلامية.
 
الأصل في التعاليم القرآنية حرمة النفس البشرية عموما "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"، ولا يتصور في السياق الإسلامي قتل المسلم للمسلم " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلى خطأ" وإن حصل القتل عمدا فالجزاء الإلهي مهول "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما"، وتنكير لفظة مؤمن حسب اللغويين تفيد التعميم في حرمة دم الإنسان المؤمن أكان فردا أم جماعة، ناهيك عن أن يكون القتل تحت مسمى الجهاد، بما يشتمل عليه من جريمة يرافقها الافتراء على الله.
 
كتعامل دنيوي فعقوبة القتل في القرآن سيما للمسلم لا تتعلق إلا بثلاث حالات، القصاص مع إمكانية العمل ببديلي العفو أو الدية، والحرابة في بعض وضعياتها، أما الحالة الثالثة فهي البغي وفق القول الإلهي "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله".
 
بتأمل الآية نجد أن تنفيذها على الواقع سيخفف الاقتتال الإسلامي الداخلي إلى أدنى درجة، لأن توجه أي جماعة نحو البغي سيجعلها عرضة لتألب الجميع ضدها.
 بالتطبيق على واقع الحرب في اليمن، لو أن اليمنيين، كمسلمين، عملوا بتعليم الآية الأخيرة لما وجدت مليشيا الحوثي نصيرا من الوسط القبلي الذي تعتمد عليه في حربها، كونها فئة باغية.
 
يقوم الخطاب التعبوي والسياسي الحوثي على مفاهيم متناقضة ومتضاربة، جزء منها يعتبر التحالف العربي المساند لليمنيين عدوانا، بينما الشق الأساسي لإيديولوجيتها يتخندق على قاعدة الدين بوجهته الطائفية الحوثية.
 
وطبقا لرؤية نص الآية فالمؤمنون عامة بصرف النظر عن الحدود السياسية بين بلدانهم متعاضدون على إيقاف الفئة الباغية عند حدها بالقوة، بعد أن فشلت جهود المصالحة كما حدث مع الحوثيين من مبادرات صلح وتوفيق منذ التمردات الستة ثم بالمبادرة الخليجية وما تبعها من اتفاقات تنقضها المليشيا وتحتال عليها بصورة مستمرة، ما يضع قتالها في خانة المسؤولية الوطنية والدينية معا، كجماعة أضرت بالبلد وشعبه وانقلبت على مسارات وقواعد اللعبة السياسية، وكذلك كفئة باغية، حسب التوصيف القرآني.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية