في يناير قبل عامين استطاع ثلة من ضباط وجنود الجيش اليمني السابق لملمة صفوفهم بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، ووضعوا نواة لقوة ضاربة لم تمر عليها ثلاثة أشهر حتى كانت كتائبها في إبريل بجوار ألوية العمالقة والألوية التهامية في خضم معركة تحرير الساحل الغربي كمرحلة في مشروع التحرير الوطني الشامل لليمن بعاصمته صنعاء من مليشيا الحوثي التي تحاول القفز على منطق التاريخ والزمان بإعادة عجلة الإمامة البائدة بتخلفها وظلامها، وتحاول القفز كذلك على منطق الجغرافيا والمكان لتذهب باليمن، أرضا وشعبا، في الخانة الإيرانية، تابعا ذليلا لا حليفا صديقا.
 
بناء قوة عسكرية ليس مجرد أرقام بشرية مجمعة أو قطع سلاح مخزنة وموزعة بقدر ما هو تشييد بنية عقائدية سياسية، قبل حتى العقيدة القتالية العسكرية، وهنا بالتحديد تبرز القدرات القيادية في خلية التأسيس الأولى، وهذا ما ظهر جليا في حسم القيادة النواة لرؤيتها العقائدية السياسية التي حرصت عليها كمحددات تضبط إيقاع مسار المقاومة، شعارا وفعلا.
 
منذ ومضة البداية اختار الطارق ورفاقه طريقهم وركزوها نظريا، وطبقوها عمليا، في تسمية المولود العسكري الجديد بالمقاومة الوطنية "حراس الجمهورية"، فكانت الوطنية والجمهورية عماد العقيدة السياسية للمارد القادم، كون الجيوش في قعر جوهرها وسائل تختلف قيمتها باختلاف غاياتها السياسية ومدى مشروعيتها في الالتصاق بالهموم والتطلعات الشعبية.
 
الوطنية، تؤشر فيما تؤشر إليه، إلى النطاقين الجغرافي من جهة، والمبدئي من جهة ثانية، فالوطن برقعته الجغرافية الكاملة هو هدف التحرير، وخدمة هذا الهدف في كل التحركات والأفعال هي الإطار المبدئي للمقاومة الوطنية في علاقاتها ببقية المكونات الفاعلة على الساحة اليمنية، لكن الوطنية كمبدأ تظل من الألفاظ السياسية المطاطة التي يمكن لكل من أراد تفسيرها وفق رؤيته، حتى الحوثية فعلت باليمن وشعبها كل ما فعلت خلف غطاء "الوطنية".
 
ما يميز المقاومة تأطير الوطنية وتحديدها داخل مفهوم "الجمهورية" بما تحمله من دلالات سياسية مبدئية غير قابلة للمساومات أو التنازلات.
 
الجمهورية كلفظة لها إيحاءاتها القوية في أولوية فعل الجمهور أو الشعب في تسيير دفة البلد، بعكس الدلالات اللغوية لكثير من المصطلحات السياسية التي تشير بصورة أو بأخرى إلى نزعات نخبوية تهمل الدور الشعبي في السياسة، أو البعد الديمقراطي كأحد تداعيات الخيار الجمهوري المبني على هيمنة الدستور والقوانين.
 
ثم إن الجمهورية كدلالة سياسية يمنية تعني رفضا قاطعا للعودة إلى الإمامة التي تسعى المليشيا الحوثية لإرجاع وطأتها على صدور اليمنيين بنسختها المهجنة من ولاية الفقيه الإيرانية الخمينية.
 
وعلى خيار "الجمهورية" حددت المقاومة الوطنية بحسم وحزم العدو الحقيقي في الحركة الحوثية التي ينبغي حشد الجهود والطاقات في محاربتها، والتخلي عن مشاريع ضيقة تخلخل الصف الجمهوري أو تغرد خارج السرب الوطني الجمهوري لأغراض أثبتت أحداث المعركة الدائرة خلال الخمس السنوات أنها لا تصب في محصلتها إلا في مد أنابيب الحياة والاستمرار إلى الرئة الحوثية، كما جرى في القفز، غير المبرر سياسيا وعسكريا في منظور المعركة الوطنية، وراء اتفاق ستوكهولم.
 
جحافل الوطنية والجمهورية وضعت معالم تحركها انطلاقا من غبار الميادين لا مكيفات الفنادق، ووجهت طلقات بنادقها إلى المشروع الإمامي الإيراني في اليمن لا إلى غيره من رفاق الصف الجمهوري، المشغولة بعض مكوناته، للأسف، بمشاريع صغيرة في أحسن حالاتها، ليس وقتها ولا مكانها في ظروف البلد الراهنة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية