كان عبد الملك الزعيم الحالي للجماعة الحوثية قبيل اجتياح صنعاء في العام 2014، يخطب في الناس يقول: إن تحركنا ليس تحركا طائفيا ولا مذهبيا ولا مناطقيا.. واتركوا لنا فرصة لكي نبرهن على هذه الحقيقة.
 
وجاءت الحقيقة حقا.. لكنها جاءت لتظهر أن هذه الجماعة في الواقع جماعة دينية، طائفية، مناطقية عنصرية.. ولا تستطع الإفلات من هذه الحقيقة بكلام منمق وعاطفي من النوع الذي يسكبه عبد الملك الحوثي هذه الأيام، لأن جذورها مستحكمة في عمق الجماعة الحوثية التي نظر لها حسين بدر الدين الحوثي.
 
إنها اليوم تمارس شتى صنوف التمييز والقمع المستندين إلى التنظير الطائفي والعنصري والمناطقي، وحاولت أن تغطي على ذلك بتعيين أشخاص في مناصب عامة، ينتمون إلى الجنوب والوسط والغرب، لكي تقنع الآخرين بتخليها عن ذلك التنظير، لكن من الناحية العملية هي الممسكة بكل تلابيب السلطات، وقد شعر بعض منهم بالهوان جراء تحكم المشرفين بالوزارات والهيئات التي عينوا لها، فقرروا الهرب، وهناك امثلة كثيرة و معروفة لذلك، آخرها ناصر باقزفوز الذي عينوه وزيرا للسياحة، بزعم تمثيل حضرموت، فنفد صبره، وترك الوزارة وصنعاء، وخرج قبل أسابيع يكشف إن الجماعة الحوثية تهين حلفاءها، وإن كل واحد من رجالها في مؤسسات الدولة يتصرف بصفته السيد والحاكم والمفتي والمالك والمتحكم الحصري.. وهذا من جملة الأدلة التي تؤكد أن الجماعة تعين مسئولين من مناطق مختلفة لغرض الإيحاء أن ليس لديها حساسيات طائفية ومناطقية ومذهبية، فإذا التجربة اليومية تفضحها.
 
نعود لنقول إن هذه الآفات الضاربة أطنابها في عمق الجماعة، قد نظر لها مؤسس الجماعة حسين الحوثي في عدد من محاضراته المعروفة بالملازم.. ظل يلوك ثنائية الزيدية - السنية، وثنائية حكم أئمة آل البيت- النظام الجمهوري، ويلح على أتباعه بمركب ينضح كراهية وكذبا وعنفا، وإثارة للانقسام الوطني.
 
كان يؤكد لأتباعه أن هناك خلافا جوهريا وصراعا حادا بين الزيدية والسنية.. بين سكان مناطق شمال الشمال التي يسود فيها المذهب الزيدي، وبين سكان المناطق التي يسود فيها مذهب الشافعي أو مذهب أبي حنيفة.. كان يقول لهم إن هذا الخلاف أو الصراع الحاد لا حل له بالحوار، ولا يمكن التعايش معه أيضا، لأنه خلاف معقد وقديم، يرجع إلى زمن أبي بكر وعمر وعثمان الذين تآمروا على الإمام علي وأزاحوه من الخلافة التي كانت حقاً له بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بنص القرآن وبخطبة الرسول في غدير خم، وأن أتباع المذاهب السنية في اليمن يوالون ابا بكر وعمر وعثمان، وهذه الموالاة تجعل الشوافع والأحناف حملة لآثام أولئك الثلاثة الذين سلبوا الإمام علي وسلالته حقهم الإلهي في الحكم.. وعنده أن اليمن الذي حكمه أئمة سادة زيدية، كان في أحسن حال، وهؤلاء السنية لما حكموا اليمن منذ قيام النظام الجمهوري عام 1962 أفسدوها، لذلك ما لها إلا أبناء الإمام علي! فما هي العنصرية إن لم تكن هذه؟ وما هي المناطقية إن لم تكن ما قاله حسين؟
 
على أن الرجل كان يتعمد تعليم أتباعه وتحريضهم على هتك النسيج الاجتماعي الذي يلف اليمنيين جميعا، مستخدما روايات كاذبة، اخترعها ووظفها فكريا لخلق فتنة مذهبية وطائفية، فحولها أتباعه بعده إلى حركة وعمل أدى إلى تهتك النسيج الذي ظل يلف الزيود والشوافع والأحناف والصوفية والإسماعيلية معاً، بحنان واحترام وسلام منذ فجر الإسلام إلى ما قبل سيطرة الجماعة الحوثية على السلطة!

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية