فقدت الأعياد والمناسبات الدينية في المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي الإيرانية بريقها ورونقها الخاص، بفعل الممارسات القمعية التي تنفذها الجماعة بحق المواطنين والتضييق المستمر على حياتهم، وإمعانها في استخدام أعمال العنف والترهيب ضد كل مخالفيها فكرياً وسياسياً، ما جعل العيش تلك المناطق جحيماً لا يطاق.

 

وتعتبر مدينة الحديدة نموذجاً واضحاً يكشف إلى أي مدى وصل إرهاب جماعة الحوثي للشعب اليمني، فالمدينة التي كانت يوماً قبلة للسياحة الداخلية بما تمتلكه من شواطئ ومتنزهات جميلة حولتها الميليشيا إلى ما يشبه ثكنة عسكرية كبيرة وأغلقت مداخلها بحقول الألغام والخنادق والأنفاق والخرسانات الإسمنتية وأقامت نقاطاً أمنية على طول ساحل المدينة لمنع المواطنين من الوصول إلى الكورنيش.

 

حيث إن عذرها الوحيد في ذلك أنها حولت المتنفس الذي يقضي فيه الناس أوقات فراغهم إلى حقل ألغام لصد قوات المقاومة اليمنية المشتركة، أما المتنزهات فقد احتلتها بقوة السلاح وسرحت الآلاف من موظفيها الذين كانوا يعيلون أسرهم من العمل بها وكانت تمثل لهم مصدر رزق وحيداً، وهذه قصة أخرى من مسلسل المأساة اليمنية.

 

بأي حال عدت

تتساءل الشابة منيرة عبدالله، وهي من سكان مدينة الحديدة، عن العيد وفرحته التي سلبتها ميليشيا الحوثي وتضيف منيرة لـ«البيان»:

 

بأي حال عاد لنا عيد الفطر ونحن لم نستطع حتى التعبير عن فرحتنا به في أول أيامه واضطرتنا الميليشيا للبقاء في بيوتنا وتظاهرنا بالصوم خوفاً من ملاحقتها لكل من يحتفل بالعيد في غير اليوم الذي حددته هي مسبقاً، وفي حال فكرنا بالاحتفال فلا يوجد مكان نذهب إليه أصلاً، فكل المتنزهات مختطفة في حوزة الميليشيا.

 

كان لدينا في السابق منتجع «حديدة لاند» ومنتزه الربيع ومنتزه نصف القمر، وكان لدينا حدائق كثيرة للتنزه مثل حديقة أرض الأحلام وحديقة الشعب التي أصبحت إما معسكرات محظور الاقتراب منها وإما «مقايل» يجلس فيها عناصر الميليشيا ويمضغون القات بشكل مقزز ويتحرشون بالنساء.

 

وتردف أماني: بالنسبة للسواحل فقد كان عيدنا لا يكتمل إلا بالخروج إلى كورنيش الحديدة وساحل الكثيب، لكن من يقترب منه الآن أو يحاول دخوله فيعلم الله ما العقوبة التي ستلحقها به ميليشيا الحوثي أو سيفقد حياته بلغم من ألغامها، ولذلك نقول بأي حال عدت يا عيد ونحن مسجونون في مدينتنا ولا نستطيع ممارسة حياتنا والتعبير عن فرحتنا بالطريقة التي نريدها وفي المكان الذي نختاره.

 

تجويع وتهجير

ويروي المواطن اليمني سعيد معروف (40 عاماً) كيف حرمته جماعة الحوثي من عمله هو وكل زملائه الموظفين في منتجع «حديدة لاند» الواقع جنوب شرق مدينة الحديدة والذي أصبح معسكراً للميليشيا كبقية منتجعات المدينة.

 

يضيف معروف: كان المنتجع يمثل بالنسبة لي ولزملائي الشيء الكثير، إذ لا يوجد لدينا أي دخل غير الراتب الضئيل الذي نتقاضاه نهاية كل شهر مقابل عملنا، وكانت الأعياد مناسبة لزيادة الإقبال وبالتالي زيادة رواتبنا.

 

لكن منذ عيد الفطر الماضي ونحن محرومون من جني أرباح الموسم ومحرومون من عملنا طوال العام بعد احتلال المنتجع من قبل الميليشيا، ففي بداية عام 2018 جاء أحد المشرفين الحوثيين ومعه العشرات من المسلحين واقتحموا المنتجع ونصبوا فيه المدافع ومنصات الصواريخ وطلبوا منا المغادرة فوراً، وعندما اعترضنا عليهم وقلنا لهم من أين سنطعم أولادنا إن فقدنا عملنا فرد علينا المشرف الحوثي بكل غرور «الذي يريد أن يطعم أبناءه فلا طريق سوى جبهة الحرب».

 

تعمل الميليشيا بكل الوسائل على امتهان كرامة اليمنيين ومحاربتهم في أرزاقهم وتسيير حياتهم حسب رغبتها ومزاجها السياسي والديني ووضعهم أمام خيارات الأمر الواقع الذي تفرضه بالحديد والنار.

 

فمن لم يمت جوعاً سيتحول إلى مقاتل في صفها مقابل الفتات الذي تجود به عليه، وهذا ما تفكر به عقلية الجماعة الإرهابية التي تسعى لجعل المجتمع اليمني مجرد وقود دافع لمشروعها الإيراني، وهو الأمر الذي اضطر الكثيرين إلى النزوح من بيوتهم نحو المناطق المحررة طلباً للحرية والعيش الكريم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية