قَدّرت دراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في اليمن عدد المتضررين نفسياً بسبب الحرب التي تشعلها ميليشيا الحوثي بحوالي 5 ملايين و 455 ألفاً و347 شخصاً من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية.
 

وتشير المعلومات الواردة في الدراسة ذاتها إلى أن الكثير من السكان يعانون على الأرجح من التبعات النفسية والاجتماعية والعاطفية، وأن السبب الرئيسي في ازدياد أعداد حالات الإصابة بالأمراض النفسية في اليمن يرجع إلى دخول اليمن في دوامة الحرب باعتبارها المتغير الوحيد الذي طرأ على البلاد منذ أربع سنوات، والتي أدت إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص من منازلهم، أي ما يقارب 11% من مجموع السكان، إضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان بعد انقطاع الرواتب.
 

ووفقاً لمسح أجرته منظمة الصحة العالمية فإنه من بين 3.507 منشأة صحية في اليمن تغيب فيها الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية ولا تتوافر إلا بنسب قليلة جداً.

 

الآثار النفسية على الأطفال
 

الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من الممارسات التي تقوم بها ميليشيا الحوثي والحرب الذي ما تزال هذه الميليشيا تُشعل فتيلها، والضرر الذي ينعكس على هذه الفئة أشد فتكاً على المستقبل فهم جيل المستقبل، وفي ذلك أظهرت دراسة لمنظمة يمن لإغاثة الأطفال أن الآثار النفسية تختلف من طفل لآخر، حيث أن 5% من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي و2% عادوا إلى التأتأة و47% يعانون من اضطرابات نفسية و24% لديهم صعوبة في التركيز و17% يعانون من نوبات هلع.

 

أعداد المرضى النفسيين في ازدياد

محمد صالح شاب في الثلاثينيات من العمر، فقد عمله بعد سيطرة ميليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة وأجبرت مختلف القطاعات على التوقف عن مزاولة أنشطتها وتسريح العاملين فيها.
 

ضغوطات الحياة ومتطلبات المعيشة كانت قاسية على محمد صالح حسب أحد أقاربه، ويقول لـ"وكالة 2 ديسمبر" إن محمد صالح أصيب بحالة نفسية وبدأ بالجلوس وحيداً ويرفض التحدث مع الآخرين، وفي كل يوم تزيد حالته النفسية سوءاً، والآن يخضع للعلاج النفسي.
 

ويشير عبدالله أحد أقارب المريض محمد صالح إلى أن ممارسة التجويع والإذلال التي يتعرض لها اليمنيين من قبل ميليشيا الحوثي لها آثارها النفسية على مختلف شرائح المجتمع كما حصل للشاب محمد صالح الذي كان ذكياً ومتفانياً في عمله ولديه العديد من شهادات التكريم والموظف المثالي.
 

من جانبه أحمد الحبيشي مالك محل في شارع تعز يقول لـ "وكالة 2 ديسمبر": "في كل يوم أشاهد مجانين جُددا، وفي هذا الشارع يتجمع الكثير من المختلين عقلياً، وخلال الثلاث السنوات الأخيرة زادت أعداد من يعانون الحالة النفسية، ففي اليوم أشاهد الشخص بخير وبعد أيام أراه وهو يُحدث نفسه!!".

 

في ذات السياق تقول سُمية علي -مسؤولة السكرتارية في أحد مراكز العلاج النفسي بصنعاء- لـ"الوكالة": "في كل يوم نُسجل ما بين 3 إلى 5 حالات جديدة خلافاً عن المرضى الذين يتلقون العلاج النفسي، ويواجه المركز تحديات الازدحام الشديد الذي يضطره إلى تأجيل بعض من الحالات من يوم إلى آخر".
 

هذا التزايد في حالات المرضى النفسيين بدأ خلال السنتين الأخيرتين بحسب سُمية، وتُضيف: "الأوضاع الراهنة تُعد سبباً رئيساً في ازدياد مرضى الحالات النفسية، فالكثير من المرضى الذين يرتادون المركز تأتي أسباب عدم قدرتهم على توفير متطلبات الحياة على رأس الأسباب التي أثرت عليهم نفسياً، يليها عدم الحصول على العمل أو فقدان أعمالهم، يلي ذلك عدم قدرة بعض الشباب على الزواج وتحقيق الاستقرار، إلى جانب أسباب أخرى كالخوف وعدم الأمن، وخلافات أُسرية وغيرها ".
 

 

مشاكل نفسية واجتماعية أفرزتها ممارسات الحوثيين
 

بدورها الباحثة الاجتماعية إلهام صالح تقول لـ"الوكالة" إن الواقع الذي فرضته ميليشيا الحوثي على اليمنيين أفرزت العديد من المشاكل التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي، وتولدت مشاكل داخل كل بيت، فهناك ارتفاع في معدلات الطلاق والتشرد ليس للأطفال فقط ولكن حتى لأرباب الأسر، مما ينبئ عن جيل ضائع تسوده العشوائية، فضلاً عن إجبار أرباب الأسر أو الأطفال بالمشاركة في القتال مما يهدد بزوال وضياع أفراد الأسرة في ظل غياب العائل إلى جانب ما يتولد من حالات نفسية لدى الأطفال الذين يتم إجبارهم على القتال، فهؤلاء بحاجة إلى تأهيل نفسي واجتماعي للانخراط في المجتمع.
 

وتشير صالح إلى أن جميع هذه المشاكل لها تأثيرها النفسي، الأمر الذي يزيد من اتساع ظاهرة المرض النفسي والاختلال العقلي للكثير ممن يعيشون هذا الواقع المرير.
 

 

ميليشيا الحوثي سلبت المواطن حقوقه وكرامته مما يؤثر عليه نفسياً
 

من جانبه الاختصاصي النفسي -أكرم الصلوي- يقول لـ"وكالة 2 ديسمبر": "التحديات المفروضة على المواطن وعدم قدرته على الوصول لحقوقه بل إن هذه الحقوق تُسلب منه بالقوة، إلى جانب الممارسات القمعية والإفراط في استخدام العنف والقوة إزاء المواطن المدني يقود كل ذلك إلى اضطرابات نفسية تؤثر سلباً على شخصية الفرد صغيراً أو كبيراً، وبالتالي ينجم عن ذلك مجتمع مضطرب نفسياً ومسلوب القدرة على المشاركة في العملية التنموية".
 

 

اليمنيون بحاجة إلى التأهيل النفسي والاجتماعي
 

ويطالب الصلوي مختلف المنظمات الدولية والحكومة الشرعية والمجتمع الدولي والمحلي إلى التنبه إلى هذه المشكلة وتوفير الحلول لها، وأن يُسهم الجميع بعد انتهاء الحرب وعودة الدولة الشرعية في وضع برامج للتأهيل النفسي والاجتماعي وتشمل مختلف أبناء المجتمع اليمني دون استثناء، وأن يكون هناك توجه لمختلف وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية ووسائل التواصل الاجتماعي بتحديد ما لا يقل عن 50 من برامجها لنشر البرامج التأهيلية نفسياً واجتماعياً ليتسنى لنا معالجة الضرر الكبير الذي يهدد مستقبل البلد الذي يحتاج إلى جيل قادر على البناء والتنمية.
 

كما يدعو الاخصائي النفسي أكرم الصلوي أبناء المجتمع اليمني إلى نبذ ثقافة العيب وعدم الاعتراف بأن لديهم فرداً يُعاني من مرض نفسي، وأن يمنحوه فرصة تلقي العلاج من طبيب نفسي، وأن لا يتم تكبيله بالقيود أو حبسه في غرفة مغلقة لأن ذلك سيضاعف من حالته النفسية السيئة وسيعقد عملية علاجه.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية