الحوثية.. داعية الفتنة الطائفية في اليمن (الحلقة 3)
سلسلة حلقات تنشرها "وكالة 2 ديسمبر" من ملف بعنوان (نقض مقولة "حروب صعدة الست".. تمرد حوثي مسلح شامل ومستمر منذُ 2004 – 2018)، وفيما يلي الحلقة الثالثة..
الحوثية.. داعية الفتنة الطائفية في اليمن
في بواكير الفتنة الحوثية تطوع النائب يحيى بدر الدين الحوثي بتصريح يدافع فيه عن أخيه حسين، فقال إنه يلقي على الناس محاضرات حول المذهب الزيدي والفقه الزيدي، ولا يقوم بأي نشاط طائفي أو مذهبي يمثل خطراً على الدولة.
وفي ذلك الوقت - يوليو 2004- لم يكن هناك من اتهمه بجريمة الطائفية، لكن أخاه يحيى كان يدفع نشاطا مرذولا يعرفه عن أخيه!
والحق لم يعرف خطيباً معاصراً في اليمن أصّل للفتنة الطائفية وجعل منها مطلباً له ولعصابته مثل حسين الحوثي، الذي تمكن والعصابة من هتك النسيج الذي ظل يلف اليمنيين باحترام وبسلام ردحاً طويلاً من الزمن. فقد ظل يلوك ويحوك ثنائية الزيدية- السنية في كثير من الخطب أو المحاضرات التي كان يلقيها على مريديه، وحوّلهم إلى عصابة حقيقية تنضح كراهية وعنفاً وإثارة للانقسام الاجتماعي.
وقد تجلت مظاهر هذا التحريض تجليا واقعيا في مناطق مختلفة من اليمن، ومثال لذلك ما ارتكبته العصابة الحوثية بحق مخالفين في الرأي بجريرة السنيّة، حيث اجتثت الوجود السلفي من صعدة بالقوة المسلحة، كما في مثالي دماج وكتاف، وشردت معلمي وطلاب المعهدين العلميين الذين بقوا على قيد الحياة بعد أن قتلت كثيرا منهم لأسباب طائفية، وبينما كانت العصابة تشكو من التعصب المذهبي في حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون)، دمرت المراكز التعليمية الدينية والمساجد التي كان يديرها هذا الحزب، في مناطق مختلفة، وهو سلوك أثار غضب اليمنيين بمن في ذلك الخصوم السياسيون للسلفيين والإخوان المسلمون.
وبعد سيطرتها على السلطة مدت العصابة الحوثية فعالية هذه النزعة الطائفية نحو المؤسسة التعليمية العامة، حيث ضمنت كتب التربية الإسلامية دروساً وفاقاً لوجهة نظر العصابة الطائفية وحدها.
ظل حسين الحوثي يدّعي أن أئمة الزيدية الذين تعاقبوا على الحكم في اليمن أكثر من ألف عام، ولم يعرّضوا الشافعية - التي يسميها السنيّة- لأي نوع من الأذى، ولا غيروا في معتقداتهم ولا في مساجدهم ولا في شعائرهم، ولا كتبهم، بينما صارت الزيدية بعد ثورة 26 سبتمبر في ظل السنيّة هدفاً للهجوم، ودليله على ذلك أن واحداً من السنيّة- الشافعية، أول ما وصلت كلمة آمين إلى مسجد للزيدية في صنعاء اعتبرها فتحا إسلاميا! وبالطبع لم يذكر الحوثي اسم ذلك الشخص، ولو صح أنه حقيقي لما استحق لفت الانتباه، لأن المقولات البغيضة كانت وما زالت تصدر من أشخاص يتملكهم النزق هنا وهناك، وهم خامدي الذكر لا تأثير لهم في الحياة العامة، أو لم تكن لهم جماعات تحوّل الخلافات الطائفية النظرية إلى حركة وفعل كما هو الحال بالنسبة للحوثية. على أن ما أورده الرجل ضرب من الكذب، الذي يوظفه لخلق فتن مذهبية وطائفية من عدم.
وفي الوقت الذي كان فيه حسين الحوثي يمتدح الزيدية وأئمة آل البيت ويعتبرهم أهل الحق، كان يجلد مشاعر الزيدية لإثارة النقمة في النفوس، ويقول للعصابة إن الطائفة الزيدية التي يمثلها آل البيت أصدق تمثيل، هي الطائفة الوحيدة المظلومة والمعرضة للتضليل، من قبل السنية، أو الحكومات السنية التي جاءت بعد زوال حكم الأئمة الراشدين! ويوضح ذلك بعبارات تحض على الانعزالية، من قبيل: ما نتلقاه نحن الزيدية ليس بأيدينا.. أبناء الزيدية لا يثقفون في المدارس بأيدٍ زيدية.. الصوت الذي تسمعه الزيدية ليس منها، والموقف الذي تراه ليس من داخلها، والصحيفة التي تقرؤها ليست من داخلها، كل ما يدور داخل بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا وساحتنا ليس منا ولا على أيدينا، وتمشي في الشارع وميكرفون المسجد فيه إنسان مضل - سني- يتحدث فتسمع بغير إرادة منك، وتمشي وراءك عربية الأشرطة أو سيارة فتسمع من السنية رغماً عنك..
ويرى الحوثي أن ثقافة الزيدية لا بد من تنقيتها من المركبات السنية، وتراث السنية القديم والجديد، وفي مقدمة ذلك تنقيتها من أصول الفقه، لأن علم الأصول سني، وعلم الكلام سني، وكتب الترهيب والترغيب من السنيّة.. فإذا تثقف أهل البيت بثقافة الآخرين(السنية) كما حصل في الماضي على يد المعتزلة والأشاعرة السنيّة، فسيضلون عن الحق ويتيهون.. لذلك يتعين على الزيدية تجنب الضلال والتيه السُّنيّ، فلا يجوز لهم أن يتثقفوا بالمناهج الدراسية لأنها سنية، وإذا كان من الضروري دخول المدرسة، فيكتفي طالب العلم من تلك الكتب بالآيات القرآنية، ويدع ما سوى ذلك مثل العقائد والفقه والتاريخ، وعليه أن لا يشري كتاباً من السوق وأن لا ينصت لكلام أي شخص!
والخلاف مع السنية - في نظر الحوثي- لا حل له بالحوار ولا يمكن التعايش معه، فهو خلاف معقد وقديم، يرجع إلى زمن أبي بكر وعمر وعثمان الذين تآمروا على الإمام علي وأزاحوه من الخلافة التي كانت حق له بعد وفاة الرسول، بنص القرآن وبخطبة النبي محمد في خدير خم.. والسنية في اليمن اليوم - التي يمثلها الشوافع- يوالون أولئك الثلاثة، وذلك يجعلهم حملة لآثامهم، برغم أن فترة زمنية تفصل بين سنية اليوم وبين أبي بكر وعمر، فعلى الرغم من أن السنية الذين يعيشون معنا اليوم لم يشاركوا في إزاحة الإمام علي عن الخلافة، إلا أن حكمهم حكم أبي بكر وعمر، قياسا على حكم اليهود الذين عاصروا النبي محمد، فهم لم يقتلوا أنبياء الله ومع ذلك اعتبرهم القرآن قتلة الأنبياء، كونهم يوالون أجدادهم اليهود الأولين الذين كانوا قتلة حقيقيين لأنبياء الله.
ويجزم حسين الحوثي- في سياق تحريضه الطائفي- إن من في قلبه ذرة من الولاية لأبي بكر وعمر، وهم السنية، لا يمكنهم أن يهتدوا إلى الطريق، ولا يمكن أن يكونوا من حزب الله الغالبين، فهم ليسوا من حزب الإمام علي بل من حزب أبي بكر وعمر، وكما كانوا ضلالا، فهم أيضا مهزومون، لأن أبا بكر أنهزم في خيبر هزمه اليهود وهزم عمر أيضا على يد اليهود في خيبر، واليوم فإن السنية شيعة أبي بكر وعمر هزمتهم قلة من اليهود في هذا العصر هي أضعف من السنية. وطالما السنية بقوا غير موالين لعلي ولا من حزب الله، فلا نصر لهم، لأن القرآن يوحي أنه في ميدان المواجهة مع اليهود لا تنتصر الأمة إلا بتولي علي بن أبي طالب، ولن تنتصر الأمة إلا تحت قيادة أبناء محمد وعلي، وهم في هذه الحالة حسين الحوثي ووالده وإخوته.
ويسخر حسين الحوثي من العلماء والمثقفين الزيود الذين يتمسكون بالأخوة والعيش المشترك مع جميع المواطنين اليمنيين، وترك الخلافات الطائفية القديمة جانباً، بل إنه يهاجمهم بقسوة. يقول مثلا: إنهم يقولون لنا يمكن لنا نحن الزيدية وآل البيت أن نتولى علياً وأبا بكر وعمر وعثمان معاً، والصحابة جميعاً، فنبدو متسامحين ونتوحد مع الآخرين.. ويرد على أولئك العلماء والمثقفين: إن الله قد أرشد إلى تولي من نوع خاص، ولطرف خاص، وهو الإمام علي وبنوه فقط، ويدعّم موقفه بالآية القرآنية: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، وهنا يحاكي مفسري الشيعة الاثناعشرية في تعسفهم شرح الآية وهو أن المراد بـ"الذين آمنوا" هو الإمام علي. ثم يتساءل: كيف نتسامح مع السنيّة إذا كان القرآن قد هاجمهم، ولم يتسامح معهم، فهل أنت متسامح أكثر من الله الذي لم يتسامح مع أبي بكر وعمر وعثمان؟ ثم إن السنيّة اليوم لا تقبل منك إلا أن تكون مثلها، وأن تسير خلفها، ولذلك لا سبيل للتفاهم أو التعايش بين الزيدية والسنيّة.
الحلقة الثالثة من ملف تنشره "وكالة 2 ديسمبر"
لقراءة الحلقة الأولى "من هنا"
لقراءة الحلقة الثانية "من هنا"