يقف الحاج أحمد الذي يتجاوز الخامسة والستين من عمره في طابور طويل أمام بيت أحد عُقال الحارات بالعاصمة صنعاء وتسنده عصاه لكي لا يقع على الأرض، وكل أمله أن يحصل على أسطوانة غاز.

 

بعد أكثر من ساعة وصل الحاج أحمد إلى أمام بوابة عاقل الحارة، إلا أنه لم يحقق مراده، ورد عليه مندوب توزيع أسطوانات الغاز قائلاً: "اسمك غير موجود في الكشف يا حاج"، حينها صرخ الحاج أحمد: "بالله عليكم سترجعونني بدون غاز، احترموا سني"، وأخذ يضرب بعصاه أسطوانته الفارغة وعيناه مغرورقتان بالدمع، واستمر في استجدائهم واستعطافهم، لينهره أحد مندوبو ميليشيا الحوثي في حارته قائلاً: "سير يا حاج موت بعيد وخلينا نوزع الغاز حق الناس"، حينها تراجع الرجل العجوز إلى الخلف وطلب من أحد المواطنين في الطابور أن يدحرج له أسطوانته، ثم رفع بصره إلى السماء ويقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل".

 

بهذه العبارة المزلزلة تمكن الحاج أحمد أن يرفع مظلوميته إلى العدل الذي لا يُظلم عنده أحد.. شاكياً الجور والظلم الذي تمارسه ميليشيا الحوثي في حق الشعب اليمني.

 

قصص مأساوية كثيرة يعانيها كل يمني في ظل هذه الميليشيا التي تتلذذ بتعذيب الناس وتختلق الأزمات، وفي ذلك يقول المواطن سميح عبدالله لـ"وكالة 2 ديسمبر": "حصلت على أسطوانة غاز واحدة قبل حوالي شهر، ومن حينها أذهب إلى عاقل الحارة ويقول لي إن التوزيع يتم بالدور وأن دوري لم يأتِ بعد، الأمر الذي أجبرني على طهي الطعام ببدائل تجلب التلوث لكنني مضطر إلى ذلك، حيث نقوم بالطباخة على النار التي نوقدها بالأوراق والكراتين ومخلفات الأبقار التي نجلبها من الريف"

 

يعرف المواطن سميح أنه يأكل طعاماً ملوثاً بفعل الأدخنة المتصاعدة من المخلفات الحيوانية التي يولد بها النار لطهي الطعام الذي يختلط بهذه الأدخنة السامة، لكنه يقول إن الموت الذي سيأتيه من هذه الأدخنة السامة بطيئاً نوعاً مقارنة بالموت جوعاً الذي سيداهمه سريعاً هو وأسرته.

 

من جانبه المواطن عبدالخالق العُشاري لـ"وكالة 2 ديسمبر": "منذ 4 سنوات ونحن في كل يوم نصحو على أزمة جديدة، فميليشيا الحوثي تصنع لنا الأزمات من عدم، وضاعفت الأسعار التي تقول إنها جاءت من أجل تخفيضها، فأزمة الغاز مستمرة وتجدد يوماً تلو الآخر رغم أنها منتج محلي ومتوفرة، إلا أنها حصرت توزيعها على عُقال الحارات وتعمد إلى تقليص كمية الغاز الذي يدخل إلى العاصمة من أجل أن يظل المواطن يجري وراء لقمة العيش دون أن يلتفت إليها".

 

كل قصص المعاناة التي يسردها لك كل مواطن تقود حتماً إلى الموت، وأبطال هذه القصص ميليشيا شعارها الموت وتسعى بكل طاقتها لتفرضه على الشعب دون رحمة، وفي المقابل تبحث لنفسها عن العيش برفاهية، فهي تختلق الأزمات من أجل أن تتربح وتجمع الثروات الطائلة وتتباهى في تشييد المباني وإنشاء الشركات وغيرها، من أجل صناعة الرفاهية والعيش الرغيد لأبنائها، وتدفع بأبناء الناس إلى الموت، وتحكم على بقية الشعب بالموت جوعاً.

 

منذ أن انقلبت ميليشيا الحوثي على الحكومة وسيطرة بالقوة على مؤسسات الدولة، وهي تختلق الأزمات، ومن هذه الأزمات أزمة الغاز المنزلي، حيث عطلت الشركة اليمنية للغاز والمملوكة للدولة وأوكلت مهامها لأشخاص من الميليشيا بهدف المتاجرة، وقامت باستيراد الغاز من الخارج رغم إنتاجه محلياً ورفعت أسعار أسطوانات الغاز، ووصلت قيمة الأسطوانة الواحدة إلى 5000 ريال، ثم صعدت إلى 7000 ريال، وظلت تتأرجح بين ذلك، ثم قامت الميليشيا بإغلاق كافة محطات بيع الغاز المنزلي، ووفرت الغاز في السوداء وبأسعار خيالية تراوحت ما بين 9000 إلى 11000 وكانت ترتفع إلى أعلى من ذلك في بعض الأحيان، وبعد سلسلة من الأزمات والمعاناة التي يتجرعها المواطن لجأت الميليشيا إلى توزيع الغاز المنزلي عبر من يُطلق عليهم "عُقال الحارات" وبسعر 3000 ريال للأسطوانة الواحدة ويضيف عليها عُقال الحارات مبلغ 300 ريال وأكثر فوق سعر كل أسطوانة تحت مسمى أجور المندوبين، وبالرغم من ذلك لم يجد المواطن حصته من الغاز، بل يظل يستجدي العُقال والمندوبين ويحصل على أسطوانة واحدة في الشهر، وأحياناً قد لا يحصل عليها، وفي ذات الوقت تزدهر السوق السوداء لبيع الغاز المنزلي وبأسعار خيالية وصلت إلى 11500 ريال للأسطوانة الواحدة.

 

توافر الغاز المنزلي في السوق السوداء رغم أن توريده إلى العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي حكراً عليها، ولا يمكن لأحد أن يتاجر بالغاز أو يستطيع إدخاله إلى هذه المناطق، الأمر الذي يؤكد على أن ميليشيا الحوثي تزود السوق السوداء التابعة لها بالغاز المنزلي على حساب المواطن الذي يجد نفسه مجبراً على الشراء من السوق السوداء بأسعار باهظة تعود لصالح الميليشيا أو أن هذا المواطن يموت جوعاً.

 

من جانبٍ آخر يشكو المواطنين من أسطوانات الغاز التالفة التي يتم توزيعها عبر عُقال الحارات، والتي ينجم عنها الكثير من المخاطر كالانفجارات وإحداث الحرائق، حيث تتزايد أعداد هذه الحوادث التي تؤدي إلى ازدياد عدد الوفيات والإصابات، وتُشير  البيانات الإحصائية إلى أن حوالي 5 ملايين أسطوانة غاز تالفة تهدد بكوارث كبيرة، حيث قامت ميليشيا الحوثي إلى إعادة هذه الأسطوانات للاستخدام والتداول.

 

تُعاني أمانة العاصمة صنعاء من أزمة خانقة في الغاز المنزلي حيث يُقدر استهلاك أمانة العاصمة صنعاء من الغاز المنزلي بحوالي 80 ألف أسطوانة غاز في اليوم الواحد، ويُقدر عدد السيارات العاملة بالغاز في العاصمة صنعاء بقرابة 70 ألف سيارة، الأمر الذي يجعل ميليشيا الحوثي تنظر إلى مادة الغاز المنزلي بأنها تجارة مُربحة تستطيع من ورائها جمع ثروات طائلة دون أن تكترث للموت الذي يهدد حياة الناس.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية