الإرهاب القضائي في صنعاء!
من المخجل جدًا أن نسمي المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء قضاءً، المحكمة التي تصدر أحكامًا بالإعدام بناءً على اعترافات قسرية، وتقيم مرافعات صورية مقتضبة بلا تداول أو دفاع، هذا إرهاب متوحش يزين بقضاء مسيس يشرعن لسلطة الانقلاب مشروعية قراراتها واتهاماتها الملفقة بحق متهمين أبرياء.
الحكم الأخير الذي قضى بإعدام سبعة عشر متهمًا بتهمة التخابر مع بريطانيا وأمريكا وإسرائيل فضيحة سياسية و أخلاقية وإنسانية، سياسية لأنها تكشف حجم التخبط الحوثي في إثبات أن مقتل قياداته ناجم عن التخابر وليس عن الفشل، والإصرار على المضي في هذه الكذبة حتى النهاية، وأخلاقية لأنها تصدر من قضاء مختطف وتتهم مواطنين بسطاء أبرياء لا يفقهون شيئًا في أفعال التخابر والجاسوسية، وإنسانية لأنها تعبث بأرواح الضعفاء ولا تكترث بمظلوميتهم وسفك دمهم دون ذنب اقترفوه.
مستقبل الإعدام مرعب في صنعاء، ومقصلة الحوثي ستجز رقاب ضحايا عزل، يجرم حتى النواح عليهم، ويجبر المجتمع على الثقة بالسلطة أقامت التهمة والقضاء الذي أصدر الحكم، إنها أسوأ لحظة في تاريخ اليمن واليمنيين، لحظة يقبع الموت تحت رأس كل يمني.
جماعة فاشية تمتهن الإجرام كلعبة سياسية، ويقودها إرهاب متطرف كماكينة عنف دموي، وكمنهج يومي للقمع وكبح جماح الأصوات غير المستساغة وأخذها بالشكوك وأفق التوقع وانتظار أفعالها التي لم تحصل بعد والتي يتوقع أنها تشكل خطرًا على الجماعة في المستقبل.
يا له من خوف عبثي مجنون يخيم على خيال الجماعة، جعل أفعالها هستيرية، وأظهر مدى هشاشتها وضعفها، وأبرز طيشها الصبياني في البحث عن خصوم محتملين وأعداء متوقعين، هذا الوضع دفعها للوقوع في سقوط أخلاقي غير مسبوق، وكشف حالة الرعب الداخلي الذي تعيشه، تتوهم تأمين نفسها بهذه السلوكيات المتوحشة المناقضة حتى لنهج المافيا وعصابات القتل.
طبعًا لا ينم هذا الإسراف في العنف عن تماسك الجماعة وإحكام قبضتها على الشعب بل عن انهيار نفسي مريع، وارتباك فادح، وهزيمة ذاتية عميقة وشقوق غائرة تنخر بنيتها البنيوية، وتغول الاضطرابات والشكوك في وعي قيادة الصف الأول، وتضييق دائرة القرار على أشخاص سذج أفقدوا الجماعة حكمة التلاعب بإدارة الوضع، وأحالوا كل إشكالية إلى نهاية لا تناسبها ولا تنتمي لها، فبدأت الجماعة تسير في طريق مختلف لم تسلكه من قبل، وتقترف أخطاء كانت تتجنبها من قبل، ثمة وعي فرداني لا يؤمن بتشارك الأفكار ولا يثق إلا بذاته الحمقاء.
وعلى سبيل المثال فإن قرار الإعدام خير نموذج لبرهنة التغير السكيولوسياسي الذي طرأ على صورة الجماعة، كونه سيهيج الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي عليها، فهناك إدانات واسعة سياسية وحقوقية تستنكر هذا الفعل وأبعاده على المجتمع، وتضخم المخاوف المستقبلية على حياة المدنيين الأبرياء.









