الحوثيون في مواجهة الاختراق الأخطر.. مقتل الغماري يضع المليشيا في حالة صدمة
في واحدة من أكثر الضربات إيلامًا لمليشيا الحوثي منذ سنوات، فتحت حادثة مقتل رئيس أركانها، محمد الغماري، الذي لقي مصرعه في عملية استهداف دقيقة قبل أسابيع، الباب واسعًا أمام أسئلة حول عمق الاختراق الأمني الذي ضرب البنية الداخلية للمليشيا وامتد بشكل متسارع ليصل إلى دوائرها العليا.
يوصف الغماري بالعقل العسكري للمليشيا المدعومة إيرانيًا وذراع زعيمها الأيمن، تولى مهام الإشراف على ما يسمى بـ"المجلس الجهادي"، وهو الهيئة القيادية العليا التي تدير عمليات الحوثيين بإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني. وفي هذا الموقع الحساس، كان يدير ملفات العمليات والمعلومات والاستخبارات والتجنيد والدعم اللوجستي، ما جعله أحد الأعمدة الأكثر تأثيرًا في بنية المليشيا العسكرية.
منذ الحروب الست في صعدة، برز الغماري كأحد الوجوه الموثوقة داخل التيار السلالي، وظل يحظى بثقة استثنائية من زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي بعد مقتل مؤسسها حسين الحوثي، حتى غدا- بحكم موقعه- أشبه بوزير الحرب داخل المليشيا الإرهابية، ولهذا جاء مقتله بمثابة هزة عنيفة كشفت هشاشة التحصينات الأمنية التي اعتقدت المليشيا استحالة اختراقها.
وعلى الرغم من مرور أسابيع على العملية، أحكمت المليشيا تعتيمًا صارمًا حول تفاصيل مقتله قبل أن تُقر به رسميًا، وتعيّن يوسف المداني بديلًا عنه، في محاولة لاحتواء الصدمة والحفاظ على تماسكها الداخلي، غير أن مؤشرات عديدة أظهرت أن الضربة كانت أعمق من مجرد فقدان قيادي رفيع؛ إذ مثلت تسربًا استخباراتيًا إلى داخل الدائرة الأمنية الضيقة للمليشيا.
تحقيقات داخلية أجرتها المليشيا شملت مئات الأشخاص، بينهم عناصر من أجهزتها الأمنية والعسكرية، لم تسفر عن نتائج واضحة، ما فاقم من حالة الارتياب وانهيار الثقة داخل صفوفها. ومع تعاظم العجز عن تحديد مصدر الاختراق، لجأت المليشيا إلى فزاعتها المألوفة عبر اتهام المنظمات الأممية وموظفيها بالتجسس، في محاولة لتصدير أزمتها إلى الخارج.
تعيش المليشيا اليوم واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا منذ نشأتها؛ فالرعب يتفشى في أروقة صنع القرار داخل صنعاء وصعدة، والقيادات تتخوف من ضربة تالية قد تستهدف المزيد من وجوه الصف القيادي الأول خاصة بعد تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأخيرة التي هدد فيها بـ"الوصول إلى الجميع"، وحملت في طياتها دلالات عن نية إسرائيلية بمزيد من الهجمات وثقة لدى الاحتلال بالقدرة على الوصول لما هو أعمق بناء على بنك معلومات استخباري ثري تراهن عليه إسرائيل.
وبات واضحًا أن هذا الاختراق، الذي صُدمت به المليشيا، تحول إلى هاجس دائم يطارد الحوثيين مع حالة عجز واضحة عن إعادة تحصين المنظومة الأمنية المحطمة، التي تعرضت لاختراق لا يقل في مستواه عن ذاك الذي تعرض له حزب الله وأفضى إلى مقتل كل قيادات الحزب المهمة بمن فيهم زعيمه حسن نصر الله، أو التي تعرض لها النظام الإيراني وأسفرت عن تصفية أغلب قادة الجيش والحرس الثوري والاستخبارات ومقربي خامنئي.